من حقّ نتنياهو أن يتبختر كالطاووس، فلقد كافح على جبهاتٍ مختلفة داخل حزبه، وخارجه، من أجل عودته إلى العرش.
لقد استخدم كل ما يملك من خبرة، وإمكانيات، للتملّص من قبضة القضاء الذي تاه في الطريق إلى محاكمته، ثم نجح في كل محاولات إقصائه من داخل «الليكود» ومن خارجه، وها هو يعود مُتوّجاً، لا يحتاج إلى البحث عن تحالفات من خارج التكتل الذي يقوده حتى ينجح في تشكيل حكومةٍ مستقرة.
ينجح التكتّل «اليميني المتطرّف»، لأنه صادِق مع نفسه، ومع جمهوره، وثابت في التزامه بأهداف المشروع الصهيوني التوسعي الاستيطاني الإرهابي.
ينجح تكتل «اليمين المتطرّف»، ويفشل تحالف «الكوكتيل»، الذي يجمع بين يمين لا يختلف عن التكتّل، وبين منافقين يدّعون «الوسطية» أو «اليسارية».
يسقط الفرع المدّعي، لأنه يزاحم على المربّع ذاته الذي يقف فيه تكتل أصيل في رؤيته، ومتجانس بين أطرافه.
لا يكفي أن يجتمع عدد من الأحزاب والتكتّلات في إدارة الحكم، بينما لا يجمعهم جامع سوى الرغبة في إقصاء نتنياهو، وكل من أطرافه يتطلّع إلى موقع رئيس الحكومة، بعد أن فاز به نفتالي بينيت صاحب المقاعد السبعة.
ينجح التكتّل بزعامة نتنياهو ويفشل العرب، الذين تاهوا في دهاليز التكتّلات الصغيرة، بعضهم انضم لمن يسعى لإقصاء نتنياهو، وبعضهم الآخر، مستعد لأن يتحالف مع الشيطان.
فيروس الانقسام، انتقل بقوة إلى الحركة الوطنية الفلسطينية في «الداخل» المحتل، فـ «القائمة المشتركة» التي حصلت قبل ثلاثة أعوام على خمسة عشر مقعداً، تحوّلت إلى ثلاث كتل، بعضها لم يحقق نسبة الحسم.
المصوّتون من الفلسطينيين في إسرائيل، يئسوا من الانقسامات، والخلافات، وغياب المشروع الموحّد والموجّه، فجاء التصويت عند نسبة منخفضة، فجاءت النتائج مخيّبة للآمال.
منصور عباس، يتحسّر لأنه لن يجد له مكاناً مع نتنياهو، الذي لا يحتاجه، لتشكيل حكومته.
فليتبصّر الفلسطينيون إلى أين وصلت أحوالهم، وإلى أين ترسو مراكبهم المهترئة، وقياداتهم ضعيفة البصيرة.
لا شكّ أن الانقسام الفلسطيني العام، قد ترك بصماته على الفلسطينيين في «الداخل»، فكلهم ينتمون إلى شعبٍ واحد، واستراتيجياتٍ ورؤىً مختلفة.
لا ضرورة للبكاء، إزاء عودة نتنياهو إلى الحكم بنجاح لم يرده الكثيرون، ولم يتوقعه الكثيرون، فثمة مقولة تركية مشهورة، مفادها أن في كل شرٍّ خير.
لقد جرّب الفلسطينيون، حكومة «الكوكتيل»، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة حرب شاملة على الفلسطينيين، وإنكار للحقوق السياسية ولقرارات الأمم المتحدة، وانفلات محمي من الأجهزة الرسمية للمستوطنين والمتطرّفين.
النتيجة سياسة لا تختلف عن مضامين سياسة نتنياهو حين كان في الحكم، فحصار لغزة، وإمعان في فرض سياسة تقوم على «السلام الاقتصادي»، والمزيد من جرائم الحرب والمجازر، والمزيد من الاعتقالات، والشهداء والجرحى.
النتيجة إضعاف السلطة الفلسطينية، وإحراجها، واستباحة القدس والمسجد الأقصى، وفي العموم شنّ حربٍ شاملة ومتواصلة على كل الضفة الغربية والقدس، فضلاً عن حروبٍ متقاربة ضد قطاع غزة.
لا مجال بعد اليوم للحديث عن «يسار» إسرائيل فلقد تحوّل «حزب العمل»، و«ميرتس» إلى منظمات «مجتمع مدني»، تخفي ابتهاجها بما تحققه الحكومات المتطرّفة، وتكتفي بالتشدّق بحقوقٍ ورؤىً لا مضمون لها، ولا ممارسة لتحقيقها.
ثمة ميل واضح، في المجتمع الإسرائيلي نحو «اليمين المتطرّف»، الذي لا يرى للفلسطينيين حقوقاً، أو حتى وجوداً على كل الأرض الفلسطينية، مجتمع مسلّح، عنصري، فاشي، إرهابي، توسُّعي ويحتوي كل فكرة أو برنامج أو حزب يخرج عن هذه الحقيقة.
لماذا ينزعج بعض الفلسطينيين من عودة نتنياهو على رأس تحالف لا يسمح بوجود فارق بين «الصهيونية العلمانية» و«الصهيونية الدينية»، ويكون حزب «الصهيونية الدينية»، الكتلة النيابية الثانية في التكتّل؟
أليس هذا التكتّل هو الذي يمثل ويعكس حقيقة المشروع الصهيوني الأساسي، وبوضوحٍ شديد، لا يحتمل الكذب أو التزوير، ولا يبحث عن غطاء أو تخريجات لمشروعه.
من الواضح أن نتنياهو سينجح في تشكيل حكومة مستقرة، لأربع سنوات قادمة، بالاعتماد على تكتّل صخري أصمّ، ليس فيه مجال لانشقاقات، أو تمرُّدات.
سيسعى نتنياهو إلى معالجة أزمة النظام السياسي الذي يعاني منذ أكثر من ثلاث سنوات، حتى يرسّخ أقدامه، وسيسعى إلى تغيير المنظومة القضائية، لكي تلعب دوراً في حمايته، وربما ملاحقة خصومه السياسيين.
ليس مستبعداً من شخصية مثل نتنياهو أن يعمل على ملاحقة ومعاقبة خصومه السياسيين، وتفكيك وإضعاف القوى التي تحلم بمنافسته.
مع نتنياهو وتكتّله، تقدم إسرائيل نفسها عارية تماماً، أمام المجتمع الدولي، بما أنها دولة احتلالٍ عنصري، فاشي لا يتورّع عن استخدام كل ما لديه للتعجيل في مخططاته التوسعية في الضفة والقدس، وقد تقوده عنصريته، إلى إفشال وإسقاط اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وبالتالي، استعادة أجواء التوتّر في المحيط وعلى المستوى الإقليمي، طالما أن بن غفير يشكّل أحد أهمّ أعمدته وعناوينه.