في أحد المفاجآت الغريبة، ما نشرته مجلة "نيوزويك" عن استطلاع أظهر أن غالبية كاسحة (76%) من "يهود أمريكا"، يشعرون بقلق كبير من عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددا، وخطرا ماثلا لـ "معادة السامية".
وربما، لو كان ذلك الاستطلاع، الذي تم لصالح منظمة "جي ستريت" اليهودية، المختلفة سياسيا عن "الإيباك"، منشورا في مؤسسة إعلامية غير معلومة، لكان الشك الأكبر هو أول ما يتسلل للقارئ، لكن قيام أحد أعرق المجلات الأمريكية "نيوزويك" بنشره منحه "قيمة سياسية مضافة".
المفاجأة السياسية الأكبر والأغرب لذلك الاستطلاع، أنها جاءت ردا على "عتاب رقيق" من ترامب لليهود الأمريكان، الذيم انحازوا بأغلبية تصويتهم إلى منافسيه "الديمقراطيين"، وأشار إلى أنهم تناسوا "الخدمات التي قدمها لإسرائيل"، بل أنه قال لهم، انه لو ترشح فيها لفاز بمنصب رئيس الوزراء (إشارة لشعبيته هناك)، فسارعوا بالرد على ذلك، ان عودته خطرا وتفتح الباب لتشجيع الأعمال المعادية لهم.
ورغم، ان التصويت "اليهودي" في أمريكا تاريخيا منحاز للديمقراطيين، لكن ترامب توقع أن ينال نصيبا مقابل "خدمات غير مسبوقة" للكيان، خاصة ما يتعلق بنقل السفارة إلى القدس واعتبارها عاصمة له، وتشجيع حركة تطبيع رسمية عربية لم تكن قبله، ولذا فرسالة "العتب الترامبي" بدأت وكأنها "تهديد سياسي" لما سيكون لو فاز، وتحريض صريح على سلوكهم لأنصاره وكذا أنصار الحزب الجمهوري، ما يرونه خطر قادم.
الاستطلاع يكتسب أهمية استثنائية مع الترابط الممكن لاحقا، بعد فوز "التحالف الفاشي المستحدث" في داخل الكيان الاحتلالي والاحلالي، وتشكيل حكومة بدأت تثير "قلقا واسعا" بين "يهود أمريكا"، وغالبيتهم يرونها خطرا على مستقبل الكيان، وصل إلى أن يكتب أحد أهم صحفيي أمريكا "اليهودي الصهيوني" توماس فرديمان مقالا نعى فيه "إسرائيل التي يعرفها"، واعتبر قادة من منظمة التأييد الأعمى للكيان، المعروفة باسم "الإيباك"، تلك الانتخابات هي أيضا خطرا على إسرائيل، وخطرا عليهم، لأنها ستفتح الباب واسعا لكراهيتهم.
"القلق اليهودي الأمريكاني"، انعكس سريعا، وربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد، برد الخارجية الأمريكية على تصريحات "الإرهابي" بن غفير، المتوقع أن يكون وزيرا في حكومة نتنياهو القادمة، رفضا لها ووصفت إشادته برجل الإرهاب الميت كاهانا بمقيته وتشجيع على العنصرية والكراهية.
الرد الأمريكي السريع على أقوال بن غفير، وإشادته برجل ترأس حركة إرهابية عنصرية محظورة في الولايات المتحدة، ليس إدانة لها فقط في إسرائيل، ولكنها تحسبا لما سيكون لاحقا داخل أوساط "يهود أمريكا"، وعودة نشاط تلك المنظمات الإرهابية العنصرية للعمل داخلها، ما سيفتح بابا جانبيا لكراهية غير مسبوقة لـ "اليهود الأمريكان".
"القلق اليهودي العام" من ترامب وأنصاره، هو انعكاس فعلي للقلق من انعكاس أفعال "التحالف الفاشي الحاكم" في دولة الاحتلال، ليس داخل الكيان وأمريكا، بل في غالبية الدول الأوروبية، ما سيعيد موقفا معاديا لهم، بعدما اعتقدت "الحركة الصهيونية" انها هزمته، بل وانتصرت عليه في ظل تطورات سياسية في المنطقة العربية، وبعدما تمكنت من الغاء قرار الأمم المتحدة حول الصهيونية بصفتها حركة عنصرية، ما سيعيد التفكير مجددا بالعودة إلى مناقشة ذلك داخل الأمم المتحدة.
"القلق اليهودي العام"، من خطر عودة ترامب والتزامن مع انتصار "الفاشية اليهودية" في الكيان، من أن يكون عاملا مساعدا لقرار اللجنة الرابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الذهاب إلى "محكمة العدل الدولية"، ورأيها القانوني في طبيعة الاحتلال والاستيطان والتغيير الديمغرافي في أرض فلسطين المحتلة، والذي وصفته وسائل إعلام عبرية بأنه "حرب جديدة" على إسرائيل.
"القلق اليهودي العام" في أمريكا ودول أوروبية لم يعد وهما بل بدأت مؤشراته سريعا تبرز في أكثر من مجال ومظهر، شملت مؤسسات وشخصيات رياضة وفنية، وانتقلت للاستنجاد بجبروت "رأس المال اليهودي" لمحاصرة ما تراه تطورات معادية للصهيونية واليهود، عالميا.
"القلق اليهودي العام"، الذي بدا يبرز بوضوح لم يكن سابقا، هو فرصة سياسية هامة لخدمة الموقف الوطني الفلسطيني العام ضد "العنصرية والأبرتهايد والفاشية" وجرائم حرب لا تتوقف، من أجهزة دولة الكيان الأمنية، جيشا وفرق استيطانية إرهابية، ويجب العمل على الاستفادة القصوى منها.
"قلق اليهود العام" في أمريكا ودول العالم سيجد له أثره المباشر داخل دولة الكيان وسريعا، بعد تشكيل "الحكومة الفاشية الجديدة" برئاسة نتنياهو لتصبح رأس حربة الخطر الأول على كيانهم، كما قالها رئيسهم السابق ريفلين.
وجود "الكاهانية" و"النتنياهوية" الحديثة في حكم إسرائيل، لم يعد خطرا على الفلسطيني والعربي فحسب بل هو خطر، ربما أكبر، على اليهود حيثما وجدوا...وقريبا ستسقط، وربما إلى الأبد "صورة الضحية" الكاذب!