بلا أي ارتعاش لغوي، فما كان يوم الجمعة 11 نوفمبر 2022، من تصويت اللجنة الرابعة الدائمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول "ماهية الاحتلال" بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية، نصر سياسي فلسطيني، أعاد بعضا مما أصابها "سوادا" خلال سنوات سابقة.
القرار يحمل كثيرا من البعد السياسي والقانوني، يمكن قراءته في ردود فعل عامة داخل دولة الاحتلال، والتي مثلت مظهرا هستيريا، من رأس الحكومة إلى ما يسمى "خبراء ومحللين"، ترافقت مع حملات تهديد بمختلف الأشكال، من الضم والتهجير إلى التهويد والمطاردة المتلاحقة، بعدما فشلت الضغوط الأمريكية ما قبل التصويت، في منع المسار، بدأت المسألة تدخل جوانب أخرى.
من باب السذاجة السياسية التي كشفها قادة دولة الاحتلال، قبل "خبرائهم"، ما أسموه بضياع فرصة "الحل السياسي" بمثل تلك الخطوة، التي وصفتها واشنطن وتل أبيب بخطوة أحادية الجانب، سذاجة لأن أطفال السياسة يدركون من الذي اغتال فرصة صناعة "سلام ممكن ومقبول" في ظل ظروف قائمة، منذ اغتيال موقعه رابين مع الخالد ياسر عرفات عام 1995، اغتيال سياسي لأي اتفاق غير ذيلي، أو ملحق.
ولكن، التهديد بأن أي قرار لن يكون "ملزما للتنفيذ"، كما قال "قادة دولة العدو"، فردة فعلهم والتهديدات المتلاحقة، لا تتوافق مع تلك "المزحة السياسية"، فلو كان ذلك صحيحا، لما وصلت الهستيريا داخل الكيان بكل مكوناته إلى درجة الارتعاش العام، والتي لخصها موضوعيا أحد "خبراء القانون في الكيان"، أنه ربما لا تنفذ حكومة إسرائيل القرار المتوقع صدوره من "محكمة العدل الدولية"، لكن ذلك لن يلغي أو يمنع التبعات القانونية له من قبل دول العالم كافة، بما فيها اعتبارها دولة خارج القانون الدولي.
ليس مهما راهنا، رد فعل حكومة العدو القومي، وما سيكون ردة فعلها، فلا يوجد أسوأ من الوضع القائم، جرائم حرب يومية، تهويد في الضفة والقدس، تشكيل فرق استيطانية إرهابية، تحالف حكومة من "الفاشية المستحدثة"، استخفاف غير مسبوق بالممثل الرسمي الفلسطيني، مصادرة أموال وحقوق، فرض حصار شامل على واقع الحياة الوطنية في بقايا الوطن، قطع التواصل السياسي عمليا مع القدس، مع بداية حملات تطهير عرقي.
فلن يكون ما سيكون ظلاما سياسيا كما هو راهنا، ولذا فكل معركة مع حكومة الفاشية الحديثة، جزء من كسر أدوات المحتل وتقليم أظافره إلى حين طرده كليا من أرض فلسطين، ومسار المحاكمة الدولية بذاته، سيكون قوة دفع للقضية الوطنية الفلسطينية، عالميا وفتح ملف مختلف جرائم الحرب والمجازر وكشف عمق عنصرية دولة الكيان في فلسطين التاريخية، من خلال ما يسمى "قانون يهودية الدولة".
المعركة المقبلة، هي ربح سياسي فلسطيني يصبح كامل الأركان، لو أحسنت الرسمية الفلسطينية التعامل الجاد والمسؤول مع إدارة ملف متابعة القرار، ما قبل انطلاق جلسات "محكمة العدل الدولية"، مستفيدين من كل الثغرات السابقة، أو العثرات السابقة، كما كان خلال معركة "جدار الفصل العنصري" في يوليو 2004، الذي فقد قيمته نتاج تطورات ما بعد اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات، مع الاستفادة السياسية – القانونية من مضمون ذلك القرار الهام.
ما سيكون لاحقا، ربما هو الأكثر أهمية مما كان، ولذا فانطلاق "ورشة شاملة" في طريق الألف ميل السياسي لمطاردة دولة العدو الشاملة، ضرورة وطنية، بعيدا عن "المناكفات الخاصة"، وألا تكون جزءا من "السلوك الانقسامي اليومي"، والعمل على الاستفادة القصوى من الطاقات الفلسطينية، بما يساهم في حصار" الحالة الانقسامية"، وعرقلة ما سيكون من بعد استخدامي من قبل دولة الكيان لهذا الطرف أو ذاك، كي يفقد الزخم الثوري للقرار.
"التحضير الشامل" لمعركة العدل الدولية تبدأ من قرار الأمم المتحدة 181 حول تقسيم فلسطين عام 1947، لحصار مكذبة غياب السيادة حول أرض الضفة والقدس وقطاع غزة، والاستفادة من اتفاق "إعلان المبادئ" – أوسلو 1993، بالإشارة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، ومكانة القدس بقسميها.
"التحضير الشامل" لمعركة العدل الدولية، يتطلب تحضير ملفات شخصية إلى جانب العامة، لكل مسؤولي دولة الكيان المتورطين في جرائم الحرب حتى ساعته.. ومعها ملفات المنظمات الإرهابية اليهودية، ورموزها الحالية.
الانطلاقة نحو لاهاي تبدأ بجرس الفعل السياسي وليس الابتهال السياسي.. وأي محاولة تعطيليه كما حدث يوما في ملف "الجدار" وتقرير غولدستون، ستكون نهاية النظام السياسي الفلسطيني.
مبروك لفلسطين نصرا بقرارها الأممي الجديد.. ولكن فرحتها تكتمل باكتمال المسار القانوني والعالم يرى دولة العدو داخل قفص الاتهام الشامل، نحو فرض خريطة إنهاء الاحتلال نحو "حرية وطن وشعب سعيد".