كانت أحلامنا عريضة ورؤوسنا تعانق السماء .. ونحن نستمع لقطعة أدبية رصينة تفوح من بين ثناياها رائحة الأرض وعبق الوطن .. خطها الشاعر الكبير محمود درويش وألقاها رمز قضيتنا وصانع هويتنا الوطنية ياسر عرفات قبل 34 عاماً أمام المجلس الوطني الفلسطيني في قاعة الصنوبر بالجزائر ، كان حلماً تحفه أرواح الشهداء وعذابات الجرحى والأسرى والمبعدين وأنين الثكلى والأرامل وكل المعذبين من أبناء شعبنا،
وتظلله ترانيم أجدادنا الذين هجروا من حقولهم وديارهم، واستمرت رحلة البحث عن الحرية والانعتاق في مسيرة كفاحية ممتدة معمدة بحب سرمدي لذلك التراب المقدس مهد الأديان وملتقى الحضارات عبر التاريخ، سجلنا إنجازات هامة من خلال اعتراف عشرات الدول بنا وحققنا اختراقات على صعيد طرح روايتنا وشرح عدالة قضيتنا ، ودخلنا الممر الإجباري ( مدريد _ أوسلو) في أعقاب متغيرات إقليمية ودولية عصفت بالمنطقة، وانتهت بقيام كيان ونواة لدولة فلسطينية عتيدة كحل مرحلي انتقالي يفضي إلى حل نهائي يعيد حقوقنا المشروعة بدولة على حدود حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وفجأة تعثرت كل هذه التراكمات النضالية بفعل صلف وتعنت الإحت-لال من جهة وسوء إدارتنا للصراع من جهة أخرى، لنبدأ مواجهة مفتوحة جديدة غيرت قواعد اللعبة . وعلى قدر أهميتها ورسائلها المتعددة كان لها آثارها الكارثية على مجمل ما أنجزناها خلال عقد من الزمن، لتأتِ نكبتنا الثانية بفعل الانقسام الذي ضرب مشروعنا التحرري في مقتل وخلف آثاراً مدمرة لا زلنا نعاني منها إلى يومنا هذا ليحدث الانقسام السياسي بين شقي الوطن ويتراجع الاهتمام العربي والدولي بقضيتنا ويصعد اليمين الصهيوني ويحث الخطى لتنفيذ مخططات الضم والتهويد في ظل ضعف رسمي وفصائلي وشعبي.
لكي نعيد تصويب مساراتنا الكفاحية لتحقيق استقلال فعلي على الأرض علينا أولاً .. إنهاء عار الانقسام المخزي والتحلل من كل الاتفاقيات مع الاحت-لال والتي تجاوزتها الوقائع على الأرض، والانطلاق موحدين في تنفيذ برنامج وطني نضالي طويل يمثل إجماعاً وطنياً، نسخر له كل إمكانيات شعبنا وطاقاته وابداعاته ونهيئ له دعما لا محدود نحو تحقيق هدفنا المنشود ..
قد يبدو كلاماً معاداً ومكررا لكنه خارطة الطريق الوحيدة التي سنستعيد من خلالها بوصلتنا الوطنية .