حكايات مؤلمة بين أروقة قصر العدل الفلسطيني وزواياه، ضجيج المحامين والقضاة والنساء والشيوخ والشباب ورنين كؤوس القهوة التي يعزفها بائعوها، ويدب في المكان حول أعمدتها الضخمة تدور الحكايات، فنلاحظ ثغوراً مبتسمة و وجوهاً عابسة، إن حياتنا تتأرجح بين الربح والخسارة ومشاكل المجتمع تدور في فلك قصر العدل، اسمحوا لي أن أرصد أدبياً بعض المشاهد المؤلمة في حياة شعبنا الفلسطيني.
- لاحظتُ إمرأة عجوزاً سبعينية بمعطفها الأسود وخارطة الحزن مرسومة على وجهها وهي تُراود المحامي بأن يقبل بنصف المبلغ ليخرج ابنها من السجن وفي ظل رفض المحامي ... سارت العجور بأقدامها المنكسرة وهي تردد : حسبي الله ونعم الوكيل على القيادات المنبطحة التي فشلت في إدارة البلاد لينهار الإقتصاد وتنتشر البطالة ليعيش الشباب كابوس الفقر والسجن.
- وجدت شاباً في سن السابعة عشرة من عمره تائهاً، وكأنه يبحث عن لعبته التي كانت معه قبل أن يتزوج سألته عن حاله قال لي : أنا هنا أمام قضيتين الأولي نفقة لزوجتي التي هربت من شبح الفقر معي، أما القضية الثانية فهي ذمة مالية لجمعية تيسير الزواج، فأنا الآن أعيش في دوامة وأبحث على السفر لأعانق قوارب الموت وتنتهي قصتي.
- ولفت انتباهي سيدة ثلاثينية جميلة أنيقة حمرةً شفتاها تماماً كلون معطفها وكعبها العالي وهي تشكر المحامية على نجاح القضية وتلف رأسها بدلعٍ محدثةً صديقتها عن قبول دعوة الاحتفال بمناسبة الطلاق .. حينها غاب صوابي !! وغبت عنها واتجهت وراء صوت صراخ امرأة تبكي بحرقة على طلاقها من زوجها، إنها مفارقةٌ عجيبة غريبة في مجتمعنا الفلسطيني، علماً أن مشاكل الطلاق تعود لسببين الفقر وعدم وجود الثقافة الزوجية التي تدفن الانسجام والحياة.
- إمرأة أربعينية تلبس ثوباً أسود ومطرزاً بنقوش تراثية وتتشح بوشاح أبيض تبكي بحرقةٍ دمرت خطوط كحلتها ليختلط الكحل بالدمع، وفجأة تبتسم أهي مجنونة!! .. اقتربت منها وروت لي حكايتها بأن ابنها مسجون على سرقة تنكة زيت زيتون من خاله .. حينها أصابتني غصةٌ برفض أخي الوحيد التنازل عن القضية وماكان بي إلا رفع قضية حصر إرث لتركة والدي، وبالفعل حكمت المحكمة بخروج ابني مع عشرة تنكات زيت ودونم أرض مُشجراً بأشجار الزيتون لذلك ابتسمت وبكيت على فراق أخي الوحيد للأبد كل ذلك بسبب الميراث والعزوف على تطبيق شرع الله.
- قضايا البنوك الربوية التي تغري الموظف بالتسهيلات قروض وجدولة بفوائد مركبة و تشاركه في راتبه
حتى بات الموظف مديوناً غير قادرٍ على سداد البنك ولا حتى العيش.
- عجوز طاعن في السن يروي حكاية قضايا شركة الاتصالات والذمم المالية يقول : كنت ملتزماً حتى انقطعت عنا الشؤون الاجتماعية حيث قطعت السلطة حبال الود والرحمة مع الطبقة المسحوقة في شعبنا المكلوم.
- حدثني كاتب روائي عن خط النفاذ الذي نفذ منا ثقاقتنا وجعلنا ندور في عالم افتراضي ويطالبوننا بدفع فواتير الموت لتاريخنا وحياتنا التي دمرتها وسائل التواصل الاجتماعي، أما بخصوص شركتا جوال و أوريدو اللتين تسحقان بالشعب مع أنهما يجنيان ملايين الدولارات سنوياً مقابل بيعهم الهواء، الجدير بهم أن يراعوا شعبنا في هوائه في ظل الظروف القهرية الصعبة.
- أغرب شيء هو قضايا بلدية غزة التي تلاحق أصحاب الحرف والمؤسسات التي انهارت وأغلقت أبوبها، حرفة أغلقت وأفلست بسبب الحصار الاقتصادي كيف ستدفع فواتيرها أو ضرائبها؟!! في المقابل يُسجن صاحبها ويُقسط المبلغ كل شهرياً.
- تراخيص البيوت الباهظة الذين يبعون لنا هواء الوطن، يجب أن ندفع عن كل طابق وكأن هواء الوطن لم يعد هوائنا ...! الواجب أن ندعم مؤسسة البلدية وندفع، لكننا نطالب بالمعقول والمنطق ومراعاة الوضع الاقتصادي المنهار.
- فواتير المياه الشديدة الملوحة التي هي من باطن أرضنا الغير معالجة الملوثة، والتي أدت لانتشار الأمراض، إضافةً لظاهرة سيارات المياه الحلوة بأجراسها المزعجة.
- قضايا رجال الأعمال والتجار التي أصبحت السجون فنادق لهم، مؤلم ومؤشر خطير المفروض من الدولة دعمهم والأخذ بيدهم نحو اقتصاد وطني قوي المفارقة ابناء العم عندما يتقابلون في المحكمة لدفع الخمسمائة شيكل غرامة المشاجرات العائلية ؟؟؟
- قضايا القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي انتشرت في مجتمعنا الغزي، فيجب عدم التهاون بها.
- قضايا النصب والاحتيال شيكات بدون رصيد وكمبيالات مؤجلة وغير مدفوعة، النصابون أصبحوا محترفين فحينما تتحدث معهم تحسبهم أطباء ومحاضري جامعات من فلسفتهم فإنهم يمتازون بحلاة اللسان.
للأسف هناك قانون ينص "إن القانون لا يحمي المغفلين"! هل يعقل أن نترجم البساطة والسذاجة غفلة ويعاقب عليها القانون بفقدان أموالهم وحاجياتهم!
يجب تطبيق روح القانون في هكذا حالات أهم من تطبيق القانون نفسه.
* رسالتنا..
- نناشد القضاء الفلسطيني في قطاع غزة العدل والمساوة وتطبيق "القاعدة القانونية عامة مجردة"، أي يطبق القانون على كافة شرائح المجتمع بدون تمييز أو محاباة وتحقيق العدالة بين الناس والرأفة بأوضاعهم في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية والنظر لهم بعين الشفقة وتسهيل الأمور لهم ولا أقصد بضياع الحق، ولكن مراعاة الظروف في كافة العوامل التي تحيط بشعبنا العظيم.
- نطالب القضاء بتوقيع أقسى العقوبة على القتلة والمجرمين وتجار المخدرات والهابطين أخلاقياً الذين يسحقون مجتمعنا خاصة النصابين والمحتالين، الذين يسرقون أحلام شعبنا الصغيرة مستغلين طيبة قلوبهم نحو مجتمع يسوده العدالة في قصر العدل الفلسطيني.