منذ أن حظيت قطر بموافقة اللجنة المعنية باستضافة أولمبياد العالم، وهي تتعرض لانتقادات وهجوم، وثمة من قال في حينه، إن قطر ما كانت لتحظى بهذا الشرف لولا أنها قدمت رشاوي لعدد من أعضاء اللجنة.
ومع اقتراب الوقت لافتتاح «المونديال» في الدوحة، تزايدت الاتهامات وعمليات التشكيك، مرة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وأخرى بملف الموقف من «المثليين»، وأخرى بطبيعة المناخ الحار، إلى غير ذلك.
الهجمة على قطر، والتي قد تؤدي إلى امتناع البعض عن الحضور والمشاركة لا تعني أن «المونديال» معرّض للفشل، ولكن ذلك يعكس طبيعة النظرة العنصرية التي لا تسلم منها الشركات العابرة للقارات، والتي تعكس، أيضاً، «العولمة»، التي شملت قطاع الرياضة.
لا يزال الكثيرون يرون في العرب، بأنهم سكان الصحراء، وأنهم متخلّفون إلى حدّ أنهم غير قادرين على متابعة آليات التطور العالمي الهائل والسريع.
العرب بالنسبة لهؤلاء، مجرّد حرّاس غير مؤتمنين على ثروات لا يستحقونها، ولذلك فإنهم مجرد موظفين لدى الدول الاستعمارية والشركات العالمية الاستغلالية، التي لا ترى إلّا مصالحها الأنانية.
لذلك كان من المتوقع أن تنهض الآلة الاستعمارية، للتهديد والوعيد حين يقرر العرب الانحياز لمصالحهم، وإن كان دون تجاهل مصالح الآخرين، كما حصل إزاء قرار «أوبك بلس»، الذي قضى بتخفيض إنتاج النفط بمليوني برميل يومياً.
حين تخرج السياسات العربية عن الرؤية الأميركية والغربية، أو تخرج عن حدود الوظيفة المكلفة بها، فإن القائمين عليها، يتعرضون لاتهامات شتّى، وضغوط شتّى. يختصر النظرة الأوروبية تجاه استضافة قطر للمونديال السيد جوزيف بلاتر الرئيس السابق لـ«الفيفا»، الذي صرّح بأن اختيار قطر لاستضافة كأس العالم كان غلطة.
في الواقع فإن الرياضة نشاط إنساني اجتماعي قديم، وهي نشاط اجتماعي، يحظى باستقطاب جماهير واسعة على مستوى الكرة الأرضية.
لكن هذا النشاط الإنساني الاجتماعي، تحول إلى واحدة من أهم مؤسسات «العولمة»، حين تحول إلى صناعة، وأداة للاستثمار تحقق الكثير من الربح والشهرة.
هي صناعة كما قطاع الفنون والسينما تعكس طبيعة ومستوى تطور الدول، ولذلك فإنها، أيضاً، تخضع لقوانين الاحتكار.
لم تعد هذه الصناعة تقتصر على دور الفرق الرياضية في الملاعب، فلقد توسعت البنية التحتية، لتشمل بالإضافة إلى الملاعب صناعات مختلفة مثل القمصان، والقبّعات، و «الترندات»، و «الإكسسوارات»، والأحذية والدعاية والإعلام.
وبالرغم من كثرة الحديث عن عدم تسييس هذه الرياضات إلّا أن مجريات الواقع تشير إلى غير ذلك، فلقد انضمت «الفيفا» والأندية الكبرى إلى نظام العقوبات التي اتخذتها الدول الغربية ضد روسيا والاستثمارات الروسية خارج روسيا في هذا القطاع.
ومبكّراً كان الأمر، على غير ما يدّعيه الفاعلون في هذه المؤسسة الدولية، فلأسباب سياسية، جرى ضم الفرق الرياضية الإسرائيلية إلى المجموعات الأوروبية، بدلاً من انضمامها للمجموعات الآسيوية.
كان ذلك استجابةً لادعاءات إسرائيلية، بأنها وإن كانت تقع في آسيا وفي محيط تعتبره متخلّفاً إلّا أن إسرائيل تنتمي إلى القيم الغربية.
صحيح أن انضمام إسرائيل إلى المجموعات الآسيوية كانت ستعترضه عزلتها على المستوى القاري، ولكن ما كان ذلك إلّا مبرّراً لنزعة عنصرية تعاملت معها أوروبا بإيجابية.
هذه المؤسسة «المعولمة»، تتداول مئات مليارات الدولارات هي قيمة الممتلكات بما في ذلك قيمة اللاعبين، الذين تتجاوز رواتبهم وما يحصلون عليه من حوافز، قيمة أي دخلٍ بما في ذلك رواتب وامتيازات الرؤساء ورؤساء الشركات الكبرى.
اللاعبون الذين يتم تداولهم كسلعةٍ في مواسم الانتقالات، لا تتصل قيمتهم بإسهامٍ في تطور البشرية، يستحقون عليه جائزة «نوبل»، وإنما بمهارات فردية، يجري الصرف عليها وتنميتها في الأندية، والأمر يتعلق بحسن ودقة الاختيار.
بالتأكيد ثمة متعة في مشاهدة اللاعبين المتفوقين، الذين يتمتعون بمهارات فائقة، هم يحصدون الجوائز والمكافآت، لهم ولأنديتهم والجمهور يدفع من جيوبه، ويتعرض لظاهرة استقطاب، تتخذ طابع التعصب، الذي يترك آثاراً سلبية على المشجّعين، خصوصاً في المستوى الاجتماعي، والعلاقات الإنسانية.
قطر، وغيرها من الدول العربية أو دول العالم الثالث، تملك من الإمكانيات والقدرات المادية، والتخطيطية، ما يؤهّلها للنجاح في تنظيم مثل هذه الفعاليات الدولية، التي تخرج عن كونها اختصاص دول معينة.
لقد أنفقت قطر حسب التقارير، التي لا نعرف مدى دقّتها ما يزيد على مئتي مليار دولار، لتحضير البنية التحتية المناسبة لاستضافة «المونديال».
ثمانية ملاعب دولية، وأكثر من خمسين فندقاً، بالإضافة إلى المنتجعات السياحية، والمواصلات، وطواقم الاستقبال والتنظيم، وكل ذلك لم يكن بهدف الربح المادي، إذ إن كل ما هو متوقع أن تحصل عليه من عائدات، لا يتجاوز السبعة عشر مليار دولار.
المسألة، إذاً، لا تتعلق بالأرباح المادية، فقطر لا تحتاج إلى ذلك، وإنما تحتاج إلى أن تقتحم هذا الحصن، لتقدم نفسها والعرب، على أنها تنتمي إلى عالم التقدم والتحضر ومواكبة حركة العصر.
تستطيع قطر ودول عربية أخرى، أن تشتري لاعبين كباراً ومدرّبين كباراً، لكنها في الغالب، تعتمد على إنسانها ومواطنها، وربما لأن الكثير من هؤلاء اللاعبين يفضلون لأسباب كثيرة، حصر انتقالاتهم بين الأندية الكبيرة.
ستقدم قطر تجربة رائدة في التنظيم والتخطيط، لإنجاح «المونديال» ولكنها كما يقال لن ترضى عنها اليهود ولا النصارى، فهم عرب ربما ينظر البعض لنجاحهم على أنه تجاوز لدورهم وطبيعتهم.
ستنجح قطر، وخلفها العرب، ولكن ستبقى الغصة في الحلوق نتيجة سياسة ازدواجية المعايير التي تحكم القائمين على النظام الدولي الظالم.