اكتوت قلوبنا حزنا وكمدا على حريق غزّة، وفاضت الدموع وتلوّعت القلوب لاهجة الى بارئها داعية لهم بالرحمة ولذويهم بالصبر على هذا المصاب الجلل.
وهنا لا بدّ من تسجيل نقاط أعتبر أنها هامّة جدا في موضوع السلامة العامة والعمل الجادّ على الحدّ من هذه الحوادث الفاجعة والمؤلمة:
• لا بدّ من تشكيل لجنة لاستخلاص العبر بحيث يكون أعضاؤها من ذوي الاختصاص ومن المخلصين الصادقين ليخرجوا بتوصياتهم المهنية ثم ليتخذ أصحاب القرار كل القرارات الضرورية التي تمنع تكرار مثل هذه الحوادث. هناك من يسارع لتحميل القضاء والقدر مسؤولية هذه الكوارث ويتغافل أو يتقاعس عن البحث في الأسباب المباشرة التي أدت إلى الحريق، وهناك تواكل يظهر بصورة التوكّل المصطنع في موضوع الاخذ بإجراءات السلامة العامة لتبرير التقصير في التدابير اللازمة لأمن المنازل والمنشآت، فكم مثلا نسبة المنازل والمنشآت التي لديها اطفائية الحرائق؟
لقد قطع العالم المتطوّر في موضوع السلامة العامة شوطا كبيرا ولم نعد نسمع بمثل هذه الحوادث كما هو في بلاد العرب والمسلمين وكل ذلك بسبب التطوّر الهائل الذي شهدته بلادهم بإجراءات السلامة العامة. ومن المعلوم عندنا بالضرورة " اعقلها وتوكّل "ولكن التطبيق العملي عندما نقصّر في: "اعقلها" نطلق كلمة التوكّل وهي في الحقيقة تواكل وغفلة في عالم الأسباب.
•لا بدّ من العمل على ثقافة المجتمع بحيث نصل الى الاخذ بكل ما يلزم دون أيّ تقصير بدافع ذاتيّ فيتضامن الناس على الصواب ويقفون في وجه التقصير لتكون ثقافة المجتمع الحاضنة للسلامة العامة والمحاربة لكل من لا يأخذ بها ويتوانى في تنفيذ شروطها. ولتحقيق هذا لا بدّ من ادخال مواد تعليمية في المناهج المدرسية وإشراك الاعلام والإنتاج الفنّي وتوجيهات الخطب الدينية في المساجد لتبيان حرمة من يتسبب بتقصيره أي أذى لغيره وتأثيم من لا يأخذ بأسباب السلامة العامة.
•يجب أن ندرك تماما أن وراء كل مصيبة خلل أو تقصير وهو من عند أنفسنا وبما كسبت أيدينا فكما أنّ حوادث السير لها أسبابها وكل حادث فيه متسبّب لهذا الحادث، كذلك كل الحوادث والكوارث التي تصيب الناس فإن بإمكاننا وضع اليد على الخلل والمتسبّب به، ففي حوادث الطيران هناك الصندوق الأسود الذي من خلاله يتعرفون على ما جرى في اللحظات الأخيرة لوقوع الكارثة ومن ثم تشخيص الخلل. يجب البحث عن الصندوق الأسود في كل الحوادث وذلك بمعرفة الأسباب المباشرة بكل دقّة وقدرة عالية على التشخيص.
•" إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقران": هذه قاعدة تؤكد ضرورة أن يأخذ السلطان وكل صاحب نفوذ وقرار دوره المطلوب في الوقاية والعقوبة فيتخذ القرارات التي تقي الناس هذه الكوارث ولا يمنح التراخيص الا إذا كانت الأبنية آمنة وفيها كل احتياطات السلامة العامة، وأن لا تتهاون مع المقصّرين والمستهترين في هذه التدابير وأن تقوم على رعاية الثقافة العامة التي تساند هذه التدابير ترعاها الجهات الرسمية وتزرعها وتستديم حالة التوعية المناسبة.