يوم الخميس 17نوفمبر 2022م، شاهدنا بألم نهاية يوم أسود وطواقم الدفاع المدني والشرطة والإسعافات بأصواتها وأضوائها المخيفة مع عتمة انقطاع الكهرباء وضجيج المواطنين، الكل يحاول السيطرة على الحريق الذي اندلع في عمارة سكنية بمنطقة تل الزعتر في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
فاجعة النار المجنونة اشتعلت في المكان كألسنة البركان لتلتهم أجساد عائلة (أبو ريا، وجاد الله، والكحلوت) أسرة كاملة شُطبت من السجل المدني الفلسطيني، لم يبقَ واحد يروي لنا الحكاية، بعض شهود العيان يقولون: إن العائلة المنكوبة كانت تحتفل بعودة رب الأسرة من الخارج وعيد ميلاد ملاكهم الصغيرة (احتفال منقش بطقوس الموت) هل الشمعة تحدث هذا الحريق الكارثي؟ بعض التحقيقات الأولية في حادثة حريق المنزل تُشير إلى وجود مادة البنزين المخزنة بكميات كبيرة داخل المنزل، مما أدى لاندلاع الحريق بشكل هائل ووقوع 21 شهيدا من عائلة أبو ريا، الأب والأم والأخوات والأخوة وزوجاتهم وأطفالهم وبعض الضيوف.
اختلفت الروايات والحكايات التي تتحدث عن الحادث وعن الأبواب المغلقة، يعتري الحادث غموض وخفايا مؤلمة حيث تناثرت الشائعات بكافة أنواعها والتي تقتل الحقيقة في مهدها، وفي النهاية نقف أمام كارثة إنسانية فلسطينية. الحكومتان في رام الله وغزة وقيادة القوى الوطنية والإسلامية أعلنوا حالة الحداد الشامل والإضراب وتنكيس الأعلام ورفع الرايات السوداء على أرواح شهداء الحريق من عائلة أبو ريا، ودعوات واسعة للمشاركة في تشييع جثامينهم المتفحمة، وقد عجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعازي والمواساة من الفلسطينيين والعرب وكافة رؤوساء وشعوب العالم والمؤسسات الدولية والحقوقية الذين تضامنوا بقوة معنا كفلسطينيين.. وبكل أسف هذا التضامن فقط وقت الكوارث والحرائق.
للأسف تطفو مشاعر الحب للفلسطينين في كل أنحاء العالم فقط في أوقات النكبات والأزمات والحرائق والانفجارات وسرعان ما تطوى وتنطفئ كنار القش، مشاعر لحظية تهدف إلى امتصاص غضب الرأي العام حتى لا يثور الشعب ليعود إلى دائرة الصمت وينام على أريكة الضياع، شعبنا يثور فقط في أحلامه وهو نائم؛ لأنه يخاف ويهاب المواجهة والدليل طول فترة الانقسام البغيض الذي نهش الجسد الفلسطيني وأثقله بالأزمات الطبيعية والمفتعلة التي أدت إلى حالة من الترهل والتشرذم والشؤم وضياع حقوق شعبنا الفلسطيني.
إن سبب هذه الفاجعة شمعة أضاءت لحظة حب وفرح، لكن لن تحدث هذه النار الهوجاء بدون مساعدة مواد مشتعلة، هل هناك تسرب لغاز الطهي أدى لهذه الكارثة؟ أم جالونات البنزين المخزنة في داخل المنزل؟ والسبب هو حرب الغلاء التي أدت لمخاطرة المواطن الغزي بتخزين مواد خطرة في منزله للتخفيف من شبح ارتفاع الأسعار بسبب الضرائب المفروضة. للأسف نعيش بين مطرقة الاحتلال الصهيوني وسندان الحكومتين اللتين لن يكفيهما خمسة عشرة عاماً على انقسامهما، إن الإبقاء على الانقسام يحقق الحلم الصهيوني ألا وهو فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة واستمرار الحصار ونقص وضعف الإمكانات، وتردى الخدمات المقدمة للمواطن الفلسطيني وانهيار الوضع الاقتصادي والتغول على القانون لنعيش تحت رحمة قانون الغاب وعصابات المافيا والجريمة المنظمة المجردة من الدين والضمير.
إن فاجعة الحريق قضاء وقدر مع لختلاف النتائج والأسباب؛ ولكن شعبنا جن جنونه يريد معرفة الأسباب الحقيقية للحادث وجب على لجان التحقيق نشرها للرأي العام، أخشى ما أخشاه أن تكون الحادثة بفعل فاعل، مؤلم أن نُطبق 'قانون ميكافيلي' الذي أوجعنا به الاحتلال "الغاية تبرر الوسيلة"، وهي قتل أسرة كاملة مقابل تصفية شخص واحد، جريمة بشعة لو كانت بفعل فاعل يجب ملاحقة مرتكبيها وعقابهم أمام الناس ليكونوا عبرة لمن يعتبر، ولو كانت قضاءً وقدرا يجب نشر الأسباب لاتخاذ تدابير الوقاية الأسرية في المستقبل.
يجب ضبط النفس والتروي لحين إعلان لجان التحقيق نتائج الفاجعة، وعدم التسرع واستباق الأمور والانجرار وراء الشائعات التي تربك المجتمع الفلسطيني، إن الانقسام دمر الشعب والقضية حتى يقبل الشعب بأي حلول حتى لو كانت مُجحفة بحق القضية مقابل بعض فتات من التسهيلات الاقتصادية.. يا فلسطين يا وجع القلب.
- رسالتنا .. نطالب الحكومتين في رام الله وغزة بإنهاء شبح الانقسام والاهتمام بالشعب وقت السلم والحرب، وتحقيق المطالب الوطنية ليعيش كباقي شعوب العالم وليس فقط أثناء الأزمات والكوارث. أستحلفكم بروح شهداء حريق تل الزعتر الفاجع أن تقوموا بإنهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني لنضمن سلامة ما تبقى من أبناء شعبنا.