تُعتبر وزارة الأمن الداخلي من أهم الوزارات السيادية في داخل الكيان حيث تُمثل هيئة مشتركة مسؤولة عن تطبيق القانون والحفاظ على النظام العام والفعاليات المتعلقة بالأمن الداخلي في إسرائيل، ومن أهم رؤية لهذه الهيئة إدخال تحسين على الشعور بالأمن والأمان الفردي والجمعي لتعزيز العيش في رخاء وازدهار، وأبرز مهامها النُهوض بسياسة الأمن الداخلي على المستوى الوطني ونبذ العُنف ضمن الأوساط الداخلية.
ولكن بعد الاتفاق على إعطاء وزارة الأمن الداخلي "لبن غفير" بصلاحيات أوسع تحت مسمى "وزير الأمن القومي" ما يعني تجاوز صلاحيات وزارة الأمن الداخلي ومهامها وهذا الأمر له انعكاس على الواقع المحلي الفلسطيني والمستوى الإقليمي والدولي، قبل الخوض في الانعكاسات لابد من التطرق ماذا يعني توسيع الصلاحيات نحو الأمن القومي.
إن الأمن القومي هو ذلك الجزء من سياسة الحكومة الذي يستهدف خلق الظروف المواتية لحماية القيم الحيوية وأيضاً هو أية تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء، وهذا يعني استغلال ذلك المفهوم من قبل "بن غفير" لتوسيع أعماله في المستوى المحلي او الاقليمي من خلال سن القوانين حتى يتم الحفاظ على الامن القومي مهما كانت تطرف تلك القوانين أو حدتها ذات الوجهة اليمينية.
قد يكون أبرز الأسباب لهذا التوجه بالنسبة للاحتلال ازدياد معدل العنف وتصاعد حدة الصراع المباشر (الفلسطيني_ الاسرائيلي) حيث أن توسيع صلاحيات الأمن القومي يعني ارتباط هذا الامر بتزايد الصراعات على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.
ومن الأسباب الأخرى ازدياد شعور لدى الاحتلال بالتهديدات المتواصلة الذي أثر على الأمن السياسي والاقتصادي الاسرائيلي، بالإضافة إلى تزايد الإحساس بالقلق والتوتر الداخلي الذي تحول إلى عدم الاستقرار وعدم وجود الأمن الذي حصل مؤخراً بالنسبة للاحتلال أمام تزايد حالات المقاومة، الأمر الذي أدى إلى إعطاء تلك الوزارة "لبن غفير" على أمل أن يقوم على إعادة الأمن الداخلي والخارجي لدى الاحتلال، وكما أن كلمة الأمن القومي تشمل أن دولة الاحتلال بدأت بالتحول من الدولة القومية إلى نظام أوسع وأكثر شمولا كالنظام الفيدرالي أو التجمعات الاقتصادية الدولية، وهذا يشير ان الاحتلال بدأ بالاندماج فعلياً من دولة عبرية إلى دولة ذات نظام شامل في منطقة الشرق الاوسط ليُعزز وجوده سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وبيئياً لذلك تم توسيع تلك الصلاحيات من الأمن الداخلي إلى الأمن القومي.
وكما أن توسيع صلاحيات بن غفير جاءت للحفاظ على المصلحة القومية لدولة الاحتلال فالأمن القومي له علاقة بالمصلحة القومية حيث نجد أن هناك اتجاهاً يستخدم كلا المفهومين كمرادف للآخر. وهناك وجود علاقة تأثير متبادل بين المفهومين، فنظرية الأمن القومي لدولة ما تعكس مصلحتها القومية، وكذلك فإن تحديد المصلحة القومية للدولة ينطلق من مفهوم واضح لأمنها وما يمكن أن يشكل خطراً أو تهديداً للأمن القومي.
وتوسيع صلاحيات الأمن القومي يعني تحديد استراتيجية شاملة وهي أساساً فن القيادة وهي مفهوم عسكري أساساً تطور وأصبح له مضامين سياسية واجتماعية، فصارت الاستراتيجية هي تلك العملية التي يتم فيها الصهر الكامل لكل مصادر القوة في الجسد السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة من أجل تحقيق المصلحة القومية العليا، وهذا يعني صهر الاحتلال في منطقة الشرق الاوسط بشكل تام في إطار فلسفة الأمن القومي. ويتطلب تنفيذ الاستراتيجية القومية للاحتلال استخدام كافة الامكانيات المُتاحة تحت جميع الظروف من أجل إنتاج أقصى سيطرة مُمكنة على الآخرين عن طريق التهديدات بهدف تحقيق مصالح الأمن القومي لها، وتوسيع الصلاحيات يعني استخدام كافة أشكال الاسلحة والمعدات والتعاون المحلي والاقليمي والدولي لتحقيق أمن اسرائيل القومي بعد تغيير تحولها البنيوي لنظام شامل.
إن اعطاء "بن غفير" هذه الصلاحيات سوف يتم استخدامها من خلال عدة اساليب أولها، سياسة "قلب الارض" من خلال السيطرة الكلية على الجغرافيا (جواً_ براً_ بحراً) وهذا يعني الاستمرار في الاستيطان داخل الضفة الغربية والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط من خلال مواصلة التطبيع.
السياسة الأخرى التي سيقوم بها وهي "قولبة الديمغرافية" من خلال تعزيز عدد سكان دولة الاحتلال بالمزيد من جذب المستوطنين من كافة انحاء العالم إلى المستوطنات وزيادة رقعة (الكثافة السكانية) في الضفة الغربية ليشكلوا عصب القوة البشرية ناهيك عن اندماجهم في منطقة الشرق الأوسط كصحفيين واجانب ورجال اعمال ومستثمرين وغيرها.
ومن إحدى السياسات التي سوف يستعملها وهي "الاستخدام الهجومي للقوة" وهذا يعني انتهاك السيادة المحلية والإقليمية في منطقة الشرق الاوسط بحجة الحفاظ على الأمن القومي، بالإضافة إلى "الاستخدام الدفاعي للقوة العسكرية" من خلال الردع الفعال وبالتحديد الردع المتوحش بسبب الاخفاقات التي حدثت مؤخراً للاحتلال بسبب العمليات الفردية المستمرة وآخرها عمليات القدس المزدوجة.
قد يكون للوهلة الأولى أن هذه الصلاحيات قد تؤدي إلى استخدام سياسة التطرف ضد المسجد الاقصى والازدياد في عملية الاقتحامات وتقليص الوجود الفلسطيني في القدس من خلال فرض عقوبات اقتصادية او سياسة على الفلسطينيين، وزيادة التطرف ضد الأسرى الفلسطينيين والاستمرار في الإرهاب بحق الفلسطينيين، ولكن هذا الأمر سينعكس سلباً مستقبلاً على الوجود الاسرائيلي قبل الفلسطيني كون التطرف لا يُولد إلا تطرفاً والعنف لا يولد إلا العنف بحيث أن الصراع سيزداد وفرص العيش بسلام لن يكون لها وجود، كما حالات العنصرية التي حدثت في العالم كان نهايتها انتهاء الاستعمار مثل جنوب افريقيا، بالتالي ما سيحدث مستقبلاً لا يُبشر بخيراً على المدى القصير والمتوسط تجاه الفلسطينيين، ولكن على المدى البعيد قد يكون نتائج التطرف سلبية على وجود الاحتلال لانزياح الشارع نحو اليمين الأكثر تطرُفاً وأولى نتائج ذلك هي الانقسامات الداخلية التي ستحدث داخل المستوى الامني والعسكري والسياسي لدولة الاحتلال نظراً لاختلاف وجهات النظر الداخلية التي ستؤثر فعلاً على الأمن القومي في منطقة الشرق الاوسط.