قل الحديث عن الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية والوطنية، ليس لاكتشاف حقيقة انها غير ضرورية ولكن بفعل اليأس من ان تكون خيارا رئيسيا وجديا تعتمده السلطة، خصوصا وان الناطقين باسمها يربطونها بموافقة الحكومة الإسرائيلية على اجرائها في القدس.
الانتخابات العامة الأولى التي اقتصرت على فتح ومن معها من القوى الفلسطينية، انتجت مجلسا تشريعيا هو الأول من نوعه في التاريخ الفلسطيني، ما أسس لحجر زاوية في بناء نظام سياسي فلسطيني جديد.
اما الثانية التي تشاركت فيها كل القوى الفلسطينية بما في ذلك المعترضة على أوسلو، فقد جرى تدميرها على يد إسرائيل ليتولى الانقسام فيما بعد تقويض اهم ما تملك الحركة الوطنية الفلسطينية وتستند اليه وهو الوحدة، التي لا امل لاي حركة وطنية بالتقدم والنجاح دون وجودها واساسية دورها في كل المراحل الكفاحية.
في زمن التسوية حين كانت أوسلو ما تزال تعمل وان بتعثر، كانت الانتخابات احد استحقاقاتها، وكانت الموافقة الإسرائيلية على اجرائها وان بصيغة منقوصة في القدس، جزءا من مكوناتها الشاملة التي بنيت الحالة الفلسطينية عليها، فدخل عرفات الانتخابات كاستحقاق لابد منه للمضي قدما في ترتيبات التسوية، وشكل اول حكومة معظم أعضاءها من داخل المجلس المنتخب دون ان يستبعد أي فصيل لم يفز.
الانتخابات الثانية كانت مختلفة كليا عن الأولى من حيث المشاركة والنتائج والموقف الإسرائيلي والدولي منها. كان عرفات قد غاب عن المشهد وواصل خليفته عباس نهج الانتخابات فاجريت الرئاسية بحكم الضرورة قبل التشريعية.
التطور الأساسي في الثانية هو مشاركة حماس ومعها كل الفصائل والقوى المعترضة على أوسلو، اما الظرف الذي جاءت فيه فكان مختلفا كليا اذ دخلت عملية أوسلو في حالة احتضار متسارع، وجرت اكبر واشرس عملية قتل للتجربة الديموقراطية الفلسطينية، فمنعتها إسرائيل بالاعتقال والحصار والاعاقة بكل اشكالها، وانتهى دور المجلس المنتخب في الحياة السياسية الفلسطينية وفي النظام السياسي.
اما العالم الذي رعى فكرة الانتخابات فقد ادار ظهره للتجربة الفلسطينية معتمدا الرواية الإسرائيلية لتبرير موقفه بذريعة ان حماس لا تصلح شريكا في عملية السلام.
أُسدل الستار على مجلسين منتخبين، ودخل العمل الفلسطيني كله في دائرة السلب.. انقسام افقي وعمودي وصف وبموضوعية على انه نكبة ثانية تمت بعد الأولى، ودخلت عملية السلام التي راهن عليها الفلسطينيون في نفق مظلم، واستبعد الأفق السياسي للتجربة ليحل محله ما يوصف بالافق الاقتصادي، وانفض رعاة المفاوضات عنها وتحولت الامال التي انتجتها بدايات أوسلو الى سلسلة كوارث متصلة ما زلنا نعاني منها ولم يعد منطقيا حتى التلفظ بمفردة السلام.
في أيار/ مايو من العام المنصرم اتفق الفلسطينيون جميعا ودون استثناء على اجراء الانتخابات العامة بتراتبية زمنية محددة بدقة، واقبل الشعب الفلسطيني على هذ الاستحقاق الوطني والحضاري بزخم ربما يكون الأعلى على مستوى العالم، اكثر من خمس وتسعين بالمائة من الشعب جدد سجله الانتخابي، بما يعني ان نسبة التصويت ستكون الأعلى، وسُجلت 36 قائمة انتخابية وعدت بولادة تعددية سياسية إيجابية داخل المجلس المنتخب، وحين يتشارك الجميع المختلفون والمتفقون على خوض التجربة بصندوق اقتراع واحد وقانون انتخابات واحد وتحت اشراف لجنة انتخابات مركزية واحدة، فتلك مقدمة فعالة ان لم تنه الانقسام بجهد شعبي فتعبد طريقا مضمونا لانهائه بمشاركة عادلة تجسدها احجام القوى التي يفرزها صندوق الاقتراع.
الغيت الانتخابات الثلاثية تحت وصف مخفف هو التأجيل، وبدأت المراوحة بين بدائل مستنسخة عن الصيغ القديمة، ورفعت مفردة الانتخابات من التداول.
الملفت في الامر كله بما في ذلك مسألة القدس ان الانتخابات زمن عمل التسوية كانت تشترط موافقة إسرائيلية تتكفل الاتفاقات المعمول بها وبدعم من العالم بتأمينها، اما الانتخابات في زمن انهيار التسوية فلا يصح ان تعالج كما لو ان التسوية تعمل وان قوانينها ملزمة لإسرائيل، ففي حالة الحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال بلا هوادة على الفلسطينيين بما في ذلك سلطتهم يجب ان تكون انتخابات تَحدٍّ في القدس وباقي انحاء الوطن.
ان تعليق اجراء الانتخابات العامة على موافقة بن غفير وسموتريتش ونتنياهو لم يعد منطقيا حتى مجرد الإشارة اليه.
الخيار المنطقي لاخراج الحالة الفلسطينية من مآزقها، والرد على ما تبيت الحكومة الإسرائيلية القادمة من كوارث على الشعب الفلسطيني، هو ان تُعاد الأمانة الى أهلها والشعب كفيل بإنتاج الأفضل.