أحمد زكي: تحل اليوم الخميس، الذكرى الـ35 لانتفاضة الحجارة، التي اندلعت شرارتها الأولى عقب دهس شاحنة يقودها مستوطن، بشكل متعمد، سيارة يستقلها عمال فلسطينيون في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، مما أدى لاستشهاد أربعة منهم وإصابة آخرين.
الثلاثاء الموافق للثامن من ديسمبر/كانون الأول 1987 لم يكن يوما عاديًا، كانت الشمس مشرقة على غير عادتها وخرج المواطنون زرافات ووحدانا للسعي على لقمة عيشهم، وبينما يستقل الشهداء الأربعة السيارة كانت تدور برأس كل منهم عشرات القصص والحكايات.
أسئلة كثيرة تعتمل في نفوسهم، منهم من يُمنّي نفسه بالزواج، وآخر يسعى لتعليم أطفاله وثالث يحاول توفير نفقات علاج والديه الطاعنين في السن، وغيرهم الكثيرون من المصطفين في طوابير أمام معبر «إيرز/ بيت حانون» في انتظار المرور إلى الشق الآخر من أرض الوطن.
فجأة ودون سابق إنذار تخرج شاحنة يقودها مستوطن لم يكتفِ باغتصاب الأرض، بل تعمّد وأد أحلامٍ تعتمل في نفوس ركاب الحافلة وقصف أعمارهم، ظنًا أنه بذلك يُخلي الأرض من سكانها الأصليين ليرتع فيها ومَن على شاكلته من لصوص التاريخ والجغرافيا.
تقطع الشاحنة الطريق أمام الحافلة وتدهس مَن فيها، ليرتقي أربعة شهداء ويصاب آخرون بجروح بليغة.
يتوقف التاريخ، وتصاب عقارب الساعة بالشلل إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في تاريخ شعب الجبارين، ذلك الشعب الأعزل من أي سلاح، أذنت له الأرضُ أن يقتطع من لحمها الصلد سلاحًا، فكانت الأحجار سلاحهم العفوي في مواجهة جبروت الاحتلال وآلياته المدججة بأحدث وسائل الموت السريع.
لم يجد المواطنون سلاحا سوى الحجارة، وانطلقوا –حتى الأطفال- كطيرٍ أبابيل ترمي العدو بحجارة قُدت من لحم الأرض تصيب هدفها في مساجلة غير متكافئة كان النصر فيها حليفا للطرف الأضعف، لتنطلق الأهازيج الشعبية «بإيديهم نار.. واحنا بأحجار».
هبّت الجماهير أولًا في مخيم جباليا لمواجهة الاحتلال، ثم انتقل أوار المعركة إلى المدن والمخيمات الفلسطينية كافة.
وشكل الشباب في ذلك الوقت العنصر الأساسي في الانتفاضة، واتحدت الفصائل السياسية، التي كانت تهدف بشكل أساسي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والحصول على الاستقلال.
وكانت أكثر الطرق التي يتم من خلالها التواصل والدعم بين الناس والمقاومين ورجال الانتفاضة، المنشورات والكتابة على الجدران، وكانت توزع المنشورات عند مداخل المساجد بواسطة أطفال لم تكن أعمارهم تتجاوز السابعة، أو كان يتم إلقاؤها من نوافذ السيارات قبل طلوع الشمس ويتم تمريرها من تحت الأبواب.
وتطورت وسائل المقاومة خلال الانتفاضة تدريجيًا من الإضرابات والمظاهرات ورمي الحجارة إلى الهجمات بالسكاكين والأسلحة النارية وقتْل العملاء وأسر وقتل الضباط والجنود الإسرائيليين والمستوطنين.
وردت قوات الاحتلال الإسرائيلي بعنف على الانتفاضة، فأغلقت الجامعات الفلسطينية وأبعدت مئات النشطاء ودمرت منازل المواطنين.
وتقدر حصيلة الشهداء الذين ارتقوا على يد قوات الاحتلال أثناء انتفاضة الحجارة بـ 1162 شهيدًا، بينهم نحو 241 طفلًا، بالإضافة إلى 90 ألف جريح، وتدمير ونسف 1228 منزلًا، واقتلاع 140 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية.
واعتقلت قوات الاحتلال حينها ما يقارب 60 ألف مواطن من القدس والضفة والقطاع وفلسطينيي الداخل، وفق إحصائية لمركز الأسرى للدراسات.
وتوقفت الانتفاضة نهائيًا مع توقيع اتفاقية «أوسلو» بين الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح عام 1993.
وتمضي اليوم 35 عاما على ذكرى الانتفاضة، التي أشعلت أحد فتائل المقاومة، ليؤكد شعب الجبارين أنها لا تزال مستمرة لا تنطفئ جذوتها قبل جلاء الاحتلال عن كل شبرٍ من الأرض الفلسطينية.