- مراسل الكوفية: غارة إسرائيلية تستهدف مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
بعد مآسٍ ومجازر إنسانيةٍ شابت القرن العشرين، دفعت فيها شعوب العالم عشرات الملايين من القتلى والجرحى والدمار في كل رقاع العالم وبخاصة أوروبا من خلال حربين عالميتين أكلت الأخضر واليابس، استفاق الضمير العالمي وبخاصة الغربي الاستعماري لفترة مؤقتة، حيث أوكل للأمم المتحدة وهي المولود الجديد، صياغة إعلان عالمي لحقوق الإنسان يمثل الحد الأدنى للبشر كافة، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو لغتهم أو جنسهم أو اصلهم الوطني أو ثروتهم أو مولدهم أو رايهم السياسي أو اي اعتبار آخر، وهكذا كان، حيث صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ العاشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 1948 ( الإعلان العالمي ).
وللأمانة العلمية، فإن هذا الإعلان العالمي على وجاهته وأهميته، استمد أفكاره وقيمه من مصدر واحد هو الفكر الغربي تحديدا، مثل الدستورين الفرنسي والأمريكي، وكتابات جون لوك البريطاني وجان جاك روسو الفرنسي. وتجاهل الفكر الاشتراكي والفكر الإسلامي وحق تقرير المصير.
ومن هنا كان المعترضون الرئيسيين على هذا الإعلان هي دول الإتحاد السوفيتي والسعودية وجنوب أفريقيا ولكل منها أسبابها في الإعتراض. ناهيك عن أن دول العالم آنذاك – وقت صدور الإعلان - كانت تقل عن خمسين دولة، بينما دول العالم اليوم يقارب أربعة أضعاف ذلك العدد.
رغم كل تلك النقائص في مقاربات الإعلان العالمي، تفاءل العالم بشتى توجهاته الفكرية والسياسية والفلسفية والدينية، بصدوره ، علّه يشكل حدا أدنى للكرامة الإنسانية وحقوقها ، وتوسم فيه تغييرا ومنهجا جديا، للوصول فعلا، وتحقيق الحد الأدنى لقيم الحقوق والحريات على صعيد عالمي وإنساني. ولم يدر بخلده أنه مجرد إعلان غربي أدبي، يخلو من الجزاء الدولي، ويبقي الباب مفتوحا على مصراعيه لممارسات غير إنسانية. وهذا ما اثبتته الأيام اللاحقة.
منذ صدور الإعلان العالمي، والدول الغربية تزعم أنها تتخذ منه شعارا ومنهجا، ووزارات خارجيتها تفرد تعليقات ومواقف وانتقادات خاصة، للدول التي بنظرها تخرق حقوق الإنسان وفق مفهومها وتفسيرها، بل تعلق مساعداتها - وهي الدول الغربية الغنية - وفق وضع حقوق الإنسان في هذه الدول الفقيرة الخارقة أو الدول ذوات الإتجاهات الفكرية المغايرة. وكانت تجد في حقوق الإنسان سببا مزعوما لتبرير ذلك الحظر أو المنع.
ولو ألقينا نظرة حتى لو سطحية، على ممارسات الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من حقوق الإنسان التي تضمنها الإعلان العالمي لرأينا عجبا في أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا من فيتنام وعراق وأفغانستان وفلسطين قطعا، وهي سلسلة طويلة من الخروقات لحقوق الإنسان كما رسمه الإعلان العالمي وليست الممارسات البريئة. وهذه العجالة لا تتسع لتعداد أو ضرب الأمثلة لهذه الخروقات التي اشارت إليها منظمات حقوق الإنسان العالمية.
وينعقد لساننا دهشة وعجبا إن طبقنا هذه الممارسات الأوروبية والأمريكية على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والإنسانية والسياسية والإقتصادية والثقافية كما أوردها الإعلان العالمي، والتي لا يجوز التنازل عنها، والتي تخرق يوميا من قبل المستعمر الإسرائيلي.
وحتى لا نقع في التنظير والبعد عن الواقع العملي، سنفحص واحدا فقط من حقوق الإنسان الفلسطيني الذي يشكل ركيزته الأساسية وركنه المحوري، ألا وهو الحق في الحياة ، وقد بنى عليه الإعلان العالمي كل نصوصه المتتالية، وفق مفهوم بسيط، ودونما تعقيدات قانونية وشرح مطول. ولنا أن نتخيل الجزاء المالي و/ أو الثقافي و/ أو السياسي و/ أو التقني و/ أو الإرتحالي و/ أو الاقتصادي و/ أو العلمي التي فرضته دولة غربية أو أمريكا على خرق إسرائيلي فاضح وواضح لحق فلسطيني واحد من الإعلان العالمي، ذلك أن حقا من دون جزاء خاوٍ وبدون قيمة سوى الثرثرة والإنشاء.
فالإعلان العالمي نص في مادته الثالثة على أن " لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه ". وقد أيد وأكد هذا الحق الأساسي ميثاق الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في مادته السادسة.
وهو حق ملازم لكل إنسان بغض النظر عن أي سبب أو اعتبار، منذ ولادته حتى وفاته فهذا الحق نعمة إلهية، وليس حقا مكتسبا من أحد أو نظام، ولا يجوز سلبه من الإنسان أيا كان، إلا عبر قرار قضائي وإجراءات قضائية وفي حالات استثنائية كالإعدام. ومن هنا كان عدم جواز إعدام المرأة الحامل والأطفال؛ ويجب أن نعلم أن الحق في الحياة يمتد إلى السلامة الجسدية بكامل أعضائها.
فكيف فهمت وطبقت السلطة الإسرائيلية عسكرية كانت أو مدنية الحق في الحياة للفلسطينيين. وسنترك جانبا المقولة الإسرائيلية الشهيرة " الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت ". فكم طفلا وسيدة وصحفية وطاعنا في السن ووليدا فلسطينيا قتل الجيش الإسرائيلي خلال العام الماضي، ولو كان يطبق احترام الحق في الحياة لما قتلهم جميعا.
وكم من شخص صفاهم جسديا وقتلهم الجيش الإسرائيلي بطرق ووسائل مختلفة ولم يشفع لهم أفراد عائلاتهم الأبرياء الذين تواجدوا معهم في ذات المكان. كم شخصا فلسطينيا نزف حتى الموت، ولم يسمح بتقديم الإسعافات الأولية له.
كم من رضيع قضى نحبه بفعل قنابل الغاز التي قذفها الجنود الإسرائيليون على المساكن الفلسطينية والأحياء المكتظة الشعبية. كم فلسطينيا فقد عينا أو أكثر أو تسببت له بعاهة جسدية نتيجة للرصاص المعدني أو المطاطي الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي.
هل امتنع رجال الأمن الإسرائيلي عن ارتكاب جريمة التعذيب بحق الفلسطينيين الموقوفين وهل لاحقت ما تسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية هؤلاء الجنود المعذبين وهل حاكمتهم أو ألزمتهم بدفع التويضات وهو أضعف الإيمان. هل التزمت قوات الأمن الإسرائيلية الزاعمة بطهارة سلاحها، بقواعد إطلاق النار ألتي قررتها الأمم المتحدة في عام 1997، حيث لا يجوز استخدام القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وللأغراض المشروعة وبشكل تدريجي وحينما تكون الوسائل الأخرى غير كافية، وأن لا تستعمل الأسلحة النارية إلا للدفاع عن النفس أو لدفع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة.
هذا حق واحد من حوالي ثلاثين حقا تضمنها الإعلان العالمي، تم خرقه بشكل منهجي وباستمرار من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، ويشكل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب معا ويشكل خرقا فاضحا للإعلان العالمي واتفاقيتي لاهاي وجنيف الرابعة وميثاق المحكمة الجنائية الدولية . فماذا كان جزاء هذه الخروق الإسرائلية للحق الفلسطيني في الحياة من قبل الدول الغربية وأمريكا بل الأمم المتحدة بجميع دولها.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة قانونية هامة ذات قوة أدبية خلبت عقول وعواطف البشر، لكنها لا تكفل حقوق الإنسان لأي فرد بشكل فعلي حقيقي، فهي تلون سياسيا وتخرق باستمرار، وتكيف وفق مفهوم غربي، وللأسف هي بدون مخالب أو جزاء تنفيذي في زمن اشتدت فيه الهجمة على حقوق الإنسان ولو كانت عكس ذلك لخفت معاناة الشعب الفلسطيني.