بشكل مفاجئ، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتصريح ربما هو الأغرب في عالم السياسة من رئيس "فرنجي" لبلد عربي، خلال سنوات طويلة، عندما طالب في لقاء مع وسائل الإعلام يوم الجمعة 23 ديسمبر 2022، بإزاحة "القادة السياسيين اللبنانيين الذين يعرقلون الإصلاحات... يجب تغيير قيادة البلد".
وتطوع" بوضع معادلة "المطلوب سياسيا" بـ " "إعادة هيكلة النظام المالي ووضع خطة مع رئيس نزيه ورئيس حكومة نزيه وفريق عمل ينفذها ويحظى بدعم الشارع"، مؤكدا أنه يرغب في "المساعدة على نشوء حل سياسي بديل (...) من دون أي تساهل مع القوى السياسية"، داعياً إلى "عدم التنازل عن أي شيء للذين أثرَوا في السنوات الأخيرة ويريدون البقاء ويمارسون الابتزاز".
بالتأكيد، وبلا أدني مواربة، تمثل أقوال الرئيس الفرنسي "نموذجا وقحا جدا" في التدخل غير المسموح به في واقع بلد عربي، أي كان واقعه السياسي، ورغم كل ما لهذا أو ذاك من مواقف وملاحظات من حقيقة الوضع الداخلي الذي قاد الى كارثة هي الأصعب في تاريخه، أن يخرج رئيس بلد مستعمر، وأس النظام الطائفي القائم، عن قواعد التعامل مع "استقلالية الحياة السياسية"، فتلك نظرية تفوح منها "فوقية وعنصرية سياسية"، خاصة مطالبته بـ "إزاحة القادة السياسيين"، و "تغيير قيادة البلد".
ورغم أنه هو وحكمه السياسي غارقين في أزمات بلا حدود وبلا حلول، وبدلا من التفكير فيما ينقذ فرنسا الغارقة في التبعية الأمريكية، خاصة موقفها من الحرب بأوكرانيا، الأمر الذي أصاب بلدان أوروبا بكاملها بمصائب شاملة، ومن كل زواياها، لكنه خرج من بين "الركام السياسي" الذي وصلت اليه حكومته، ليكشف عن جينه الاستعماري الذي يبدو أنه لم يتخلص منه، رغم توسله اليومي لبلدان عربية بأن تجد له حلا لأزمة الطاقة والاقتصاد الذي أصاب فرنسا ظلاما شاملا في عهد "وزير الاقتصاد" الأسبق.
أقوال ماكرون، خروج عن المألوف السياسي في شكل "النصح الممكن"، بالتجاوز نحو فتح صراع من نوع جديد، وهو يقينا يعلم، أن الأزمة أساسها ما تركته "فرنسا الاستعمارية" من تركيبة نظام يقوم على البعد الطائفي في مناحي الحياة كافة، من تعيين مدرس الى انتخاب رئيس الدولة، يجب أن يمر عبر "نفق البعد الطائفي".
حديث ماكرون، عن "الإزاحة السياسية" لإحداث التغيير الذي يريده، ليس سوى وصفة حرب أهلية جديدة بمظهر ديمقراطي، خاصة وأن وسائل التغيير إما انتخابات عامة أو انتخابات حزبية خاصة، وغيرها يكون مظاهر الفتنة والحرب لفرض "التغيير الماكروني" المطلوب لإزاحة من يراهم الرئيس الفرنسي "فاسدون".
المفارقة أن "النصائح الماكرونية" تصادفت مع حملة أمنية فرنسية ضد الأكراد في باريس، حملت كل ملامح العنصرية والفاشية، كانت تبث للعالم أجمع، ليرى حقيقة نظام الوراثة الاستعمارية في التعامل مع غير "العرق الآري"، ما أجبره ليخرج بتصريح انتقادي، دون أي إجراء عملي.. فقط لنتخيل لو حدث الأمر ضد بعض "يهود باريس"، ماذا سيكون رد الفعل العام حكومة ونظاما.. وهو نموذج مصغر للثقافة الاستعمارية التي لم تغادر جينهم الخاص.
ما قبل ان يصبح رئيسا، وصف ماكرون من طرفي النظام السياسي الفرنسي بأوصاف يبدو أنها سترافقه طويلا، فاليمين راه "عميلا"، والحزب الاشتراكي اعتبره "بروتوس المعاصر"، توافق كان غريبا على ذات الشخص الذي خطف الرئاسة الفرنسية بطريقة خاصة، دون أن يخرجها من أزماتها، بل أغرقها أكثر فأكثر.
هل يحق لمسؤول عربي، أن يطالب بتغيير قيادة فرنسا عبر وسال إعلام، ويعتبر إن حل أزمتها الراهنة، التي وصلت فيما وصلت بفضل "بروتوس المعاصر"، أم أن ذلك حق خاص لجين بقايا الاستعمار.
فمن يُقبل "يد حكام العرب" بحثا عن حل لمصيبته الخاصة ليس جديرا بتقديم معادلات حل لبلدان وشعوب أخرى.. فليبحث عما ينقذ رأسه قبل أن يجده زاحفا في شارع باريس العريق..أو قابعا في "الباستيل" الشهير.
أقوال ماكرون تجسيد مكثف لعنصرية خاصة و"فوقية سياسية" لا يجب أن تمر مروا عابرا!