نتنياهو مولع بالإثارة والظهور بمظهر الرجل الخارق الذي لا يهزم.
وحتى حين أُقصي عن موقع رئيس الوزراء لمدة سنة، ظل من موقعه كرئيس للمعارضة، ضابط إيقاع الحركة السياسية، خصوصاً الداخلي منها، إذ لا سياسة خارجية في إسرائيل كما أفاد هنري كيسنجر.
في الفترة القانونية التي تمنح عادة لمن يكلف تشكيل الحكومة، تابع المهتمون طريقة عمل نتنياهو التي تكرّست لتقسيم الغنيمة بين الحلفاء المتعطشين للحكم وبين «الليكود» صاحب الولاية المحسومة على اليمين بفصائله كافة.
كانت عملية التقسيم تنطوي على تشويق وإثارة فيها من الافتعال أكثر بكثير مما فيها من الحقيقة. ذلك أن مَن يسمى «الساحر» كان في غاية الاطمئنان إلى أن منصب رئيس الوزراء صار في الجيب، وأن طلبات الحلفاء مقدور عليها، وأن رغبات الليكوديين الكبار ستُلبى وفق الأولويات التي يحددها هو؛ خصوصاً أن لا أحد ممن لم يحصلوا على ما يصبون إليه يملك مؤهل المنافسة أو الانشقاق.
ورغم البقع السوداء الظاهرة بقوة على وجه الحكومة السادسة، من خلال وجود أعتى رموز العنصرية في العديد من مواقعها الرئيسية، فإن العالم، خاصة حلفاء إسرائيل، تعودوا على ظاهرة من هذا النوع، إذ لم تخلُ حكومة - خاصة زمن اليمين - من إرهابي محسوم في نظر العالم.
لم يكن ليبرمان أحد أقطاب حكومة «الاعتدال والمرونة» لبيد - غانتس، أقل يمينية وعنصرية من أدوات نتنياهو الحاليين؛ بن غفير وسموتريتش، ذلك أن ليبرمان وبعد أن قال إنه يتمنى أن يغرق الفلسطينيون في البحر الميت، صار وزير خارجية ثم وزير دفاع ثم مالية، وهذه هي أهم ثلاث وزارات في النظام الإسرائيلي.
العالم يتعامل مع أي حكومة إسرائيلية بواقعية وبراغماتية، لن ينظر إليها أو يحدد علاقته بها من خلال سيرة وزرائها، إلا أن أقصر الطرق في التعامل معها هي تركيز العمل مع نتنياهو، وهذا ما سيفعله الأميركيون الذين لم يستسيغوا وجود العنصريين الصريحين على سدة الحكم خشية صعوبة الدفاع عنهم، والتغاضي عن سلوكهم المحرج ولكن غير المرفوض وغير المقاطع.
أما الفلسطينيون من حملة الجنسية الإسرائيلية والذين يشكلون خُمس تعداد سكان الدولة، فمثلما تعاملوا مع مَن سبق سيتعاملون مع مَن لحق. إلا أن المختلف هذه المرة هو أن الهوامش التي كانت متاحة على ضيقها مع الحكومات السابقة، سوف تضيق أكثر، حين يمارس العنصريون الذين انتقلوا من حرب الشوارع معهم إلى سدة الحكم ما وعدوا به ناخبيهم من تنكيل ممنهج بالفلسطينيين وما تيسر لهم من حقوق.
أما الواقعون تحت الاحتلال فلا جديد دراماتيكياً حدث وسيحدث معهم، ذلك أن الجامع المشترك لكل الحكومات الإسرائيلية لم ولن يتغير، وهو لا دولة حقيقية للفلسطينيين، ولا هوادة في قمعهم، ولا تراجع عن التعامل معهم كسكان أمر واقع يدارون بمبدأ العصا والجزرة، وسجل الشهداء والجرحى والمعتقلين والبيوت المدمرة متساوٍ بين كل الحكومات.
سيطلق نتنياهو أيدي أدواته للاستمتاع بمزايا الوزارات والموازنات ولتضخيم الأصوات للانتخابات القادمة، إلا أن لجامهم يظل بيده، فلديه من الإمكانات والوسائل ما يضمن أن يظلوا دائماً تحت السيطرة.
وإذا ما ذهبنا بالتحليل إلى حكاية الحكايات «السلام مع الفلسطينيين»، فإننا نجد أن العلة في نتنياهو أصلاً، فهو صاحب القرار الأول والأخير في هذا الشأن، ولا ينبغي تصديق الزعم بأنه مكبّل اليدين من قبل قوى اليمين العنصري، وهذا ما يمنعه من أن يتخذ جانب الاعتدال في هذا الأمر، فهو وإن كان موضوعياً يستطيع، فهو شخصياً وعقائدياً ومصلحياً لا يريد، وهذا ما يؤكد صحة عنوان هذه المقالة؛ أصل الحكاية نتنياهو وغيره مجرد تفاصيل.
وفي هذا الشأن، قال نتنياهو ما عنده، وعلى نحو مبكر حدد السقف السياسي الذي يلتزم به في أمر التسوية مع الفلسطينيين، بما لا يختلف عن الأسقف التي حددتها كل الحكومات السابقة، وهنا لم يعد من مجال معقول لتسوية تفاوضية كتلك التي حدثت في أوسلو اللهم إلا إذا دخل على الجانبين طرف ثالث أقوى منهما ويملك القدرة على فرض تسوية... في زمن حرب أوكرانيا لا فرصة لذلك، أما ما بعدها فكل الاحتمالات ليست مستحيلة.