هذا هو الوصف الموضوعي والدقيق للوضع الراهن حيث فلسطين وإسرائيل يودعان والى امد طويل إمكانيات التسوية، مع انفتاح المدى واسعا امام سياسة الحد الأقصى الإسرائيلية في السيطرة على الأرض والناس.
لقد اوسعنا حكومة نتنياهو تحليلا وتحذيرا، فلدينا من الخبراء والدارسين ما يكفي ويفيض في هذا المجال، غير ان الملفت للنظر انعدام التوازن بين ما ستفعله إسرائيل بنا من خلال حكومتها الجديدة، وبين ما نفعل نحن في مواجهة الخطر الذي تجسده وهو على كل حال خطر معلن ورسمي ومقترن بخطط عمل واضحة ومبرمجة، وما نفعله نحن فقوامه تحذير العالم منها والحديث عن حملة واسعة لتعريف المعرف، وكأن العالم يجهل نتنياهو وانجازاته المشهودة في تدمير فرص السلام، وسيرة سموتريتش خليفة مائير كاهانا وبن غفير الذي انتقل من موقع المطلوب للشرطة الى القائد الأعلى لها.
فما الذي يمكن ان نقوله للعالم عن هؤلاء غير ما يقولونه هم عن انفسهم، ولكل دول العالم عيون وآذان تقرأ وتسمع فما الذي يمكن ان نضيفه مما نعلم ولا يعلمون.
أمريكا "ام إسرائيل" قالت ما قالت فلديها الملف بجملته وتفصيله غير انها ذاهبة نحو التكيف مع الحكومة الجديدة. واوروبا لا تخفي تراجع اهتمامها ليس بفعل قلة المعرفة بما يجري عندنا وانما بفعل ضيق المساحة المتبقية للاهتمام، فحرب أوكرانيا تطرق كل باب فيها وصقيع الشتاء يخفض التدفئة الباذخة والفائضة الى ما دون الحد الأدنى، أي انها تعاني من صقيع الحاضر وفوقه ضباب المستقبل، فمن يتهدده خطر كهذا لن يفعل شيئا لغيره خصوصا حين تكون إسرائيل في قلب اللعبة.
اما باقي العالم الذي لا تكف سلطتنا عن استصراخه وحثه للتدخل، فيقول لنا ومنذ اكثر من ثلاثة ارباع القرن، نحن مع العدالة وليس بوسعنا عمل الكثير من اجل فرضها، ولكنهم يقولون بينهم وبين انفسهم أيها الفلسطينيون ماذا انتم فاعلون بالضبط؟
وهنا نأتي الى الجزء الأخطر من الحكاية...
الفلسطينيون يرون بأم العين ويسمعون بملء الاذان ما تعرضه عليهم الحكومية الإسرائيلية الجديدة " ليس لكم عندنا الا إدارة تجمعاتكم السكانية وغير ذلك سيبقى في يدنا الامن والسيادة والمصير"، ليس لفترة محدودة كما كان الامر عليه في ادبيات أوسلو البائدة وانما الى ما لا نهاية.
ويقولون كذلك ليس لكم عندنا اكثر من تسهيلات يتطلبها الحد الأدنى من مواصلة الحياة، وحتى هذا لن يقدم لكم الا اذا ثبتم الى رشدكم، وقائل هذه الجملة هو نتنياهو في اول حديث له مع قناة العربية والرجل لم يبخل بتفسيره لمعنى الرشد أي ان نقبل بما يقدم لنا شاكرين.
وهذه ليست مجرد اقوال يمكن نسبتها الى تسريب او حرب نفسية بل هي برنامج عمل لحكومة رسمية جرى تنفيذ الجزء الأول منه على مدى عديد الحكومات السابقة، وها هو الجزء الثاني تقوم بتنفيذه حكومة نتنياهو السادسة.
طبقتنا السياسية التي تحتكر النطق باسم الشعب الفلسطيني وقضيته، ويراها العالم قيادة له، تبدو غير منطقية في الحركة والافق وحتى اللغة. واللامنطقية تتجسد في ان كل ما تفعله إسرائيل وتعد به يجسد دافعا قويا بل وحتميا لانهاء الانقسام، غير اننا نراه يستمر ويتعمق، بل انه ومع كل احتفال سنوي لفصائل الطبقة السياسية يتجدد ويمدد له كعمل روتيني اورث الشعب الفلسطيني يأسا من الوحدة، ويكاد يقول لأصدقائه وليس اخرهم الجزائريون "فالج لا تعالج".
نحن الان امام مشهد عبثي وغير منطقي، شعب عظيم ينحت صموده من صخر الواقع الصلب بأظافره ويواجه عدوا يعلن ان احتلاله له وتنكيله به ومصادرته لحاضره ومستقبله سيظل الى الابد، وصراع داخلي محتدم في إسرائيل يغري بإمكانية الإفادة منه لو وجد لاعبون مهرة على الطرف الاخر، ولكن ما الحيلة وعندنا طبقة سياسية متشبثة وتشتت الكرة بعيدا عن المرمى الى أي مكان آخر.