يا ابن البلد تريث قليلا ولا تغادر فأنت أمير الحكايات والأحاديث، ومالك الخيال ، وعاشق الترحال ، أنثاك صارخة الجمال ، وممعنة بالأحزان ، شقية مشاكسة ، تستسلم في اتون عرينها بلحظة انبلاج الحقيقة والكشف عن الزيف.
تائهون في البلد.. والتيه اضحى عنواننا ، انت ابن اللحظة ، والمستقبل المجهول ، تريث قليلا ولا تغادر ولك موعد مع ولادة جديدة ، ولدت مرتين والثالثة على الأبواب ، الأولى في الأوجاع ، والثانية في الغضب ، والثالثة سيأتي ذكرها بفرح وبلا ألم ، وعند الاجابة على الاسئلة المعلقة التي تبحث عن المفردات غير المتلعثمة، المعبرة عن حقيقة الولادة من جديد ولفظ الملفوظ المتعفن في ازقة الحارات المنسية وتلك التي صارت ركاما على جوانب المدن الحديثة الزائفة ، مدن البلاستيك والعلب الإسمنتية ، فقد جاء ابن البلد المشاغب محاولا ان يشدو اغانيه ويصدم الاباطرة بالسؤال الباحث عن كينونته .
في حضرة الاسئلة الصعبة التي تظل دون اجابات تتغير المعاني ، يتراءى من بعيد المشنوق المعلق على اعواد البحث عن حقيقته ، ولربما تنقلب أيضا موازيين لغة الكلام ، فأبجديات قواميسنا تبدلت ، وضجيج خطاباتنا قد اختلفت ، ولغتنا العربية قد صارت ركيكة لا نفهم معانيها كونها تحمل كل التفسيرات التي نريد وفلسفة الاجابات المزورة وغير المعبرة عن حقائق اللحظة بكل مكوناتها وحيثياتها ، وانقلبت كل المفاهيم وتداخلت كل القيم وصار لابد من أن نعتلي مقامات الشأن الرفيع حتى نعي ونستوعب اللغة من جديد ، ولابد لنا من أن نجيد دهاليز اللعب على كلمات الحذلقات السياسية ومواءمة الفهم بالفهم الرشيد لما يقوله السادة الكبار في القوم .
في حضرة الاسئلة الصادمة كل شيء قد تبدل، وصار لابد من أن نستوعب أننا أمام الاجابات الكاذبة، ولابد لنا من أن نجيد من جديد التعلم والتعليم لكيفية الكلام وخطاب أصحاب المقامات الرفيعة، المتاجرون بالألم القابضون على مصائر الامور، والمصير قد اضحى متلاعب به ... لا مكان لمن يريد أن يتحدث عن الشجن والحزن والهم.. لابد من أن تختصر الكلمات فجلالة السؤال مطارد بالهموم والأشجان، فألى اين نحن متجهون ..؟؟ وماهي طبيعة حقيقتنا ..؟؟ وماهية الوطن الغارق بالأحزان ..؟؟ ام هي الكذبة الكبرى بممارسة الفعل والفعل غائب عن يوميات الجميع والكل غارق بمطاردة لقمة العيش بعيدة المنال ... ولا مكان للفقراء هنا ... واقصد فقراء فهم الفهم الجديد ولا مكان إلا لمن يجيد فن اللعب على الكلمات... و إلا فمكانك هناك بحضرة القبر المزخرف اللاهث خلف الولادة من جديد .
لابد لك وأنت تعبر المكان أن تقف لدقائق عند ركام العرش المنهدمة اركانه ، حتى تنبه ذاتك أن سيد المكان قد تغير وان القائد قد ترجل وان اصحاب المعالي والفخامة والجلالة هم من يسكنون قصر السلطان القادمين على ركام عرش الفعل الماضي ، وسيد القصر لا يحب المجاملات وليس له عادات الترحاب والترحيب بزوار المكان القدامى ، الذين لا يجيدون صناعة الاحلام خارج ذاكرة المكان والزمان... الغرباء بأحلامهم وارتجالاتهم...
عشاق الحواري العتيقة جاءوا من نبض الوجع الساكن بين ثنايا معابدها المهجورة ، ومن عبق أبخرة صوامعها المعمورة بأرواح من عبروا المكان ونقشوا اسماءهم على الجدران ، ومن أقاصيص سفر التكوين منذ ان تعالت صيحات التهليل والتكبير للأتي من السماء ، ولمن سار على الماء ، واستقر مصلوبا على تلة المعبد العتيق ، ومن قصة الصعود الى السماء ليلقي خطابه هناك بحضرة الأنبياء ، جاءوا من فسحة الأمل الموصولة ما بين الأرض وسماء الصعود ، جاءوا ليشكوا الحال والحال قد أضحى غريبا عجيبا ، فأم المدائن بالانتظار... وانتظارها قد طال ، وجميلات حواريها ما عدن ينتظرن قدوم الليل او أول الصبح ، وصرن العجائز المنتظرات لابتسامة عابرة، ولحكايات الزمن الجميل ، ورجالها يفترشون الأرض ويلتحفون السماء عند الأسوار ويناجون الرب ابتهالا بأن يبقوا على العهد القديم وان يمنحهم شيئا من فعل رجولة ضاعت في دهاليز العصر الجديد ، العشاق جاءوا لينطقوا الكلمة الفصل في عصر الانهيارات الكبرى ، ... وجاءوا ليقولوا ان للحارة القديمة وابوابها حراس وحارسات ، وان للمعبد سجد ركع معتصمين بحبل الله جميعا ، ولم يهونوا ولن يهونوا وسينطقوا بالضاد دوما...
في حضرة الاسئلة الباحثة عن مستقر لها ، تتبدل الإشارات ويهب من يهب واقفا مؤيدا او مدافعا عن طبيعة المرحلة وظرفية الواقع ومتطلبات الواقعية الجديدة ، ومن انصار يهوذا من يهتف بحياة وحكمة ورؤية سيدنا الجديد ، القابع بقصر السلطان اليوم ، رجالات القصر متأهبون بكل مكان لمن تخول له نفسه ان يحلم خارج إطار أحلام الواقعين الجدد... او لمن يحاول استذكار مقاربات الحوار الذي كان في المكان قبل ان يترجل ذاك الباحث عن الاجابات للأسئلة الصعبة المرابط بجانب القبر المزخرف.
قال احدهم ، الرجال تائهون ضائعون ما بين زعماء القبائل، وامراء الجيوب المنتفخة، ومن يحترفون تنميق الكلام ، ودعاة العصرية المعولمة والمعلبة بالمفاهيم القادمة من صناعة الحرب والسلم تجار العم سام...
وقال اخر.... الازقة ما عادت ازقتنا ، صارت حكاية في كتب صفوف المدارس حينما نتحدث عن تراثنا... وعن ذاك الفيصل الفاصل للتاريخ ، حينما كان قبلة لكل من يأتينا شاكيا باكيا متضرعا لنصرته ونصرة حقه...
ومن قال نريدها عربية... ومن زمجر مستنكرا تهويدها... وأسرلة سكانها... ومن وقف صارخا شاكيا حق رعاياها بالدعم لتعزيز الصمود ، واخر قال انا أميرها ومخلصها... ولابد من مبايعتي.. وكان خلاف وحوار على من يكون الأمير... ومن سيكون سيد الآزقة والحواري العتيقة ..؟؟ وما هي افعاله..؟؟ وكيف سينطق بلغتها..؟؟ ويقسم عليها وبها... وتنطاح الجمع بالكلمات وكنا كما كنا بحضرة الأسئلة التائهة ، نرتل من ورانه الكلمات... ليكون الفصل الجديد في مسلسل تكوين اللجان لرفع التقارير لصناعة الصمود من جديد.... ولكن هذه المرة بما يتناسب ووقائع المرحلة ومتطلبات العصرية المعولمة بالإجابات المزيفة للأسئلة الهائمة ، لنأخذ بالحسبان ان الطريق الى المعابد والركوع بحضرة الرب قد صارت طقسا من طقوس التيه والزيف ، تتطلب سلوك الطرق الجديدة بفعل الجدران العالية الفاصلة للحلم والمانعة له من ان يتشكل .
فقد كان ابن البلد تائها باحثا عن حقيقته بالإيمان لمغزى الوجود لفعل الرباط على اسوار الحارة القديمة الرابضة على روابي الصعود ، وفلسفة السؤال هي من تفرض البحث عن الاجابات المُقنعة بالأبجديات غير القادرة عن تفكيك طلاسم جبروت اولي امر الألهة الوثنية ، المشوهة للوطن وللحارة العتيقة ، الخاضعة الساجدة في محراب مؤامرة المواءمة لصلوات الخضوع لقياصرة الزمن غير الجميل.