بلا أي ارتعاش أو تردد، أعلن بيبي نتنياهو الخطوط العريضة لحكومته السادسة، حكومة عصارة "الفاشية المكثفة"، خطوط لم يسبق أن تحدث عنها او مثيلها، فيما يتعلق بالضفة الغربية والقدس، والقضية الفلسطينية، التي باتت وفق تلك الخطوط، جزءا من "المسألة اليهودية".
اللغة كسرت كل التباس سابق، لم تكتف بحرق كل ما سبق اتفاقات يفترض أنها رسمية، وضعت "كوديعة" في البيت الأبيض والأمم المتحدة منذ العام 1993، تحولت لاحقا الى قرارات رسمية للشرعية الدولية، بل خطوط حكومة تعلن، ان الضفة الغربية والقدس، هي جزء من "ارض إسرائيل الصغرى"، على طريق "أرض إسرائيل الكبرى" من "النيل الى الفرات" سلما أو حربا، نصا لم يترك لفلسطيني بابا ليبحث عن "تفسير" ما لتلك اللغة السياسية التي صاغها جماعة التهويد والضم، وسيادة "الكيان" على القسم الشمالي من أرض دولة فلسطين.
حكومة نتنياهو، بعيدا عن عنصريتها وفاشيتها ضد الفلسطيني كما حكومة "الثلاثي الراحل"، كسرت أخر محطات "الالتباس السياسي" الذي حاول استمراره، وزير جيش الكيان العنصري غانتس في حركة "الهواتف" مع الرئيس محمود عباس، ليس قناعة به "شريكا" بل لحصاره كي لا يذهب خطوة خارج "صندوق الاستحمار السياسي" الذي ساد العلاقة منذ يناير 2005، وحتى تاريخه.
خطوط حكومة "عصارة الفاشية المكثفة" تجاهلت كليا تعبير فلسطين، وكأنها قضية خارج الزمن والتفكير، ويبدو أنها "خلعت" قطاع غزة من التفكير، باعتباره "نتوء كياني" ليس جزء من "أرض إسرائيل"، فتركت وكأنها غير موجودة، وليس غير ذي صلة فقط، كرسالة أنها باتت تمثل لهذه الحكومة "المنطقة" التي يمكن للفلسطينيين أن يرونها "دولتهم الخاصة".
حكومة "عصارة الفاشية المكثفة"، أنهت والى غير رجعة، أي قدرة رسمية فلسطينية على تمرير نظرية "الوهم الانتظاري" لحل سياسي مع أي طرف إسرائيلي في مرحلة لاحقة طويلة، دون تغيير جذري في ملف الصراع والعلاقة، وربما يتجاوز كثيرا ما حدث ديسمبر 1987، التي كسرت نظرية "رابين" في تجاهل منظمة التحرير وبعض الأطراف الدولية والعربية، فرسمت مشهدا كسر مشروع "التوراتية والتهويد" فكان اغتياله ردا من "أباء" حكومة الكيان العنصري الجديدة.
منذ يوم الخميس 29 ديسمبر 2022، لم يعد أمام الفلسطيني الوطني، خيار "التنقيب السياسي عن طرف شريك" ليختبئ خلفه، هروبا من "الاستحقاق الوحيد" الذي لا مفر منه، خيار "المواجهة السياسية الشامل" بكل أركانها.
لحظات بعد مصادقة كنيست الكيان على حكومة عصارة الفاشية المكثفة، يجب أن يخرج الرئيس محمود عباس بخطاب الى الشعب الفلسطيني، خطاب مصارحة ومكاشفة، يعتذر أولا عما أضاع وقتا ينتظر "ربما سياسية" لكنها لم تأت، وأنه تجاوب مع رغبات البعض غير الفلسطيني، ان لا يذهب لخيار الضرورة الوطنية، ردعا وحماية.
خطاب يؤكد المؤكد الوطني منذ 2012، التي منحت فلسطين طريقا للانتقال من "سلطة ضلت طريقها" الى "دولة تنتظر طريقها"، وينتقل من رحلة "إذا لم" الى "سوف نعمل".
مع لحظة مصادقة برلمان العدو على حكومة "عصارة الفاشية المكثفة"، يجب أن يصادق الرئيس محمود عباس على أول قرارات الشرعية الفلسطينية، بسحب الاعتراف بدولة الكيان، بعدما تجاوزت كل الخطوط الحمراء والبنفسجية، وتلك خطوة لم يعد بالإمكان تجاهلها، والبقاء عليها بعد 29 ديسمبر دون سحب أو تعليق، سيكون اعترافا رسميا فلسطينيا، بـ "أرض إسرائيل الصغرى"، بما يشمل الضفة والقدس، وفصل قطاع غزة عنها.
وتزامنا، مرسوم رئاسي بانتقال السلطة الى الدولة، دولة فلسطين بكل مسمياتها، وفقا لقرار 19/67 لعام 2012، تكلف الحكومة القائمة بمهام حكومة دولة فلسطين، الى حين عقد "برلمان دولة فلسطين المؤقت".
وعليه باتت مسألة وقف التنسيق الأمني الكامل، مع حكومة "ارض إسرائيل الصغرى" شرطا للوطنية الفلسطينية، وليس طلبا لمعارضة أو شكوى، فكل تنسيق بعد يوم 29 ديسمبر مع تلك الحكومة، هو اعتراف رسمي فلسطيني بخطوطها العريضة، بما يمثل مظهرا للخروج عن "الوطنية الفلسطينية العامة".
أن يعلن الرئيس محمود عباس، بصفته رئيسا للدولة، دعوة برلمان فلسطين المؤقت للانعقاد خلال شهر من تاريخه، على أن تقوم رئاسته المؤقتة بفتح قنوات اتصال مع "المكونات الفلسطينية" كافة، فصائل وأطر ومنظمات شعبية، وشخصيات، لذلك.
ولعل الضرورة تفترض أن يطالب الرئيس عباس رئاسة القمة العربية بعقد لقاء طارئ لبحث ما هو قادم.
منذ ما بعد 29 ديسمبر 2022، لن يكون كما قبله أبدا، ولعل توافق التاريخ بذكرى انطلاقة رصاصة حركة فتح الأولى الأول من يناير 1965، "مفارقة" علها تكون "تاريخية" بإطلاق الرئيس عباس رصاصة الطلاق الكلي مع مرحلة "الوهم الانتقالي"، بعدما تعايش معه منذ انتخابه رئيسا 2005.
انقاذا للوطنية الفلسطينية لا خيارات للرسمية الشرعية ورأسها الرئيس محمود عباس، سوى خيار "الخروج من رحلة الاستحمار السياسي" الذي طال أمده، نحو خيار "المواجهة السياسية الشامل"...ودونه وداعا لرصاصة يناير 1965، ومشروعها الى حين جديد.
ملاحظة: تصريحات الملك عبد الله حول "الخطوط الحمر" مهمة سياسيا، لو صار لها رجلين وتحركت من غرف الكلام نحو وقف كل أشكال العلاقة مع حكومة "عصارة الفاشية المستحدثة"..غير هيك بتصير خطوط بيضا خالص.