تمر علينا الذكرى الثامنة والخمسون لانطلاقة الثورة الفلسطينية، وفتح ليست في أحسن أحوالها، لتضخم العديد من المشكلات والتحديات الكبرى أمامها داخلياً وخارجياً، لهذا فهي مطالبة الآن بتنظيم صفوفها الداخلية لتتمكن من التصدي للخطر الذي يعده لها اليمين الإسرائيلي، وهو الذي وضعوا له عنواناً كبيراً، "العمل على القضاء على المشروع الوطني واجتثاث السلطة الوطنية الفلسطينية"، التي ينظرون إليها على إنها إحدى أخطاء "إسحاق رابين" وتحتاج إلى تصويب فوري خلال فترة حكمهم دون مضيعة للوقت.
ونجاح فتح في ترسيم استراتيجية تصدي فعالة للمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية برمتها، هو أمر مرتبط بنجاحها في لملمة شتات جموعها التي طالها التمزق، والاستعداد لمواجهة الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة "بنيامين نتنياهو"، الذي اشترى قبول حلفاؤه له، ومشاركته إدارة أمر حكومته، بعد أن منحهم المزيد من الصلاحيات التي تكفل لهم تنفيذ أجنداتهم الانتخابية؛ وجميعها لا يتم الوفاء بها دون سفك المزيد من دماء شعبنا.
وبرأيي الذي يشاطرني إياه آلاف الكوادر من أبناء فتح داخل الوطن وخارجه، بأنها مجبرة على النجاح في هذه المرحلة والتي تليها، لأن على ذلك سيتقرر مصيرها الوطني والسياسي، كقائدة للكفاح الوطني الفلسطيني.
وهذا متطلب لا يمكن الوفاء به، إلا بإطلاق عملية إصلاح داخلية واسعة النطاق تشمل مراجعة السياسات، والتفاهم بين مختلف أقطاب وأطياف الحركة، للتوافق على برنامج عمل قادر على المنافسة والتصدي للمهمات الجسام، وهذا يتطلب إنهاء الخصومات الداخلية، وإتمام المصالحة داخل حركة فتح نفسها، ومع حركة حماس لمنع انزلاق قطاع غزة نحو المجهول في ضوء تدهو الأحوال المعيشية للسكان فيه، وتعاظم معدلات الفقر والبطالة هناك، وتزايد عديد الشباب الذين قرروا الرحيل منه خلال السنوات الأخيرة.
لهذا فتح مطالبة على نحو ملح، بلملة شتات أمرها، ضمن عملية مصالحة شاملة وجامعة، ومتسمة بأعلى درجات الحكمة والإدارة السديدة للحالة الراهنة، وهذا لن يتم إلا بتوفر نية صادقة لطي صفحة الماضي، واستخلاص العبر من كل ما مرت به الحركة من خيبات وانكسارات ونجاحات، وتوظيف خلاصة كل ذلك ضمن خطة التصدي المأمولة، والمكرسة لتفكيك التحديات التي ترج الوطن من جانبيه رجاً عنيفاً على مدار الساعة.
تحت وطأة سياسات ترحيل السكان الفلسطينيين من مساكنهم قسراً، وإحلال المستوطنون اليهود محلهم، ومصادرة الأراضي وبناء المستعمرات، وهدم مساكن السكان الأصليين؛ والتلاعب بمصيرهم وتبديد مستقبلهم، وتغيير مناهجهم الدراسية واستبدالها بأخرى إسرائيلية، وهذه جرائم حرب مسبقة التدبير من قبل حكومة وجيش الاحتلال الإسرائيليان، الحائزان على العلامة الكاملة للاستعمار الاستيطاني الإحلالي.
وأمام هذه التوحش الاستعماري؛ ماذ نحن فاعلون؟ وهذا سؤال يجب أن تجيب عليه فتح، قبل غيرها من فصائل العمل الوطني، لجهة امتلاكها لمفاتيح إدارة الشأن الفلسطينين العام.