هذا المصطلح أصبح مركز الحياة السياسية الفلسطينية، وكل تطور في الساحة يُنسب إليه أو ينتج منه.
المفاعل النشط في هذا الأمر هو حركة «فتح»، التي لا يزال رأيها العام متأثراً بمقولة إن هذه الحركة الكبيرة هي من يسمي الرئيس ويفرضه، وذلك حدث منذ بداية عهد عرفات في رئاسة «فتح» والمنظمة ودولة المنفى وسلطة أوسلو... حيث ظل هذا الأمر محسوماً لـ«فتح» وبفعله تولى عباس كل مواقع عرفات.
ومع أن زعامة عرفات شهدت معارضات قوية من دخل «فتح» وخارجها، وأحياناً كان يصل الأمر إلى حد التمرد والانشقاق، إلا أن قوة «فتح» الجماهيرية والعسكرية والمالية وقوة حضور وتأثير قيادتها التاريخية المتفاهمة على مبدأ الاختلاف ولكن ضمن حدود ألا يصل إلى انشقاق، وهذا المبدأ رعاه الرجل الثاني صلاح خلف (أبو إياد) والرجل الثاني كذلك خليل الوزير (أبو جهاد)، ورجل الفكر الليبرالي المتفوق خالد الحسن، وغيرهم من التاريخيين المؤسسين، ويليهم الجيل الثاني الذي برز منه قادة مؤهلون عوضوا بكفاءة من فُقد من التاريخيين.
كذلك، فإن احتفاظ «فتح» بمكانتها القيادية الأولى لم تقتصر على متانة وضعها الداخلي ولا حتى على جماهيريتها الفلسطينية وحتى العربية الواسعة، بل رؤية الدول لها كحركة معتدلة تستحق الدعم والتبني بما في ذلك دول غربية وأوساط أميركية وحتى إسرائيلية.
حركة «فتح» برئاسة عرفات وزملائه من التاريخيين قادت بكفاءة مشهودة منظمة التحرير كإطار جبهوي جامع وقادت الكفاح المسلح كأساس، والعمليات الخارجية كضرورة مؤقتة، والعمل السياسي دائماً، ثم العمل التفاوضي الذي مجاله مدريد، ثم أوسلو فيما بعد.
انتقال قيادة «فتح» وعلى رأسها عرفات إلى الوطن، ضمن تسوية ملتبسة لم تكن مجرد انتقال من مكان إلى مكان، بل من حالة إلى أخرى شديدة الاختلاف عن حالة المنفى، تلك الحالة التي تسيدت فيها الحركة الكبرى الساحة بلا منازع يذكر.
كانت الأمور محسومة في الواقع ضمن معادلة مهما بدت صعبة إلا أنه مسيطر عليها... «فتح» الواحدة ومنظمة التحرير الموحدة وبرنامج سياسي متفاهم عليه بين أغلبية كبيرة معه ومعارضات محدودة ومتفرقة ضده، ومن خلال هذه الحالة مرت مدريد ثم أوسلو، والخلاصة أن الثقل القيادي الفلسطيني انتقل بهذا الرصيد إلى أرض الوطن.
كان ياسر عرفات في الداخل كما هو في الخارج مركز الحالة السياسية الجديدة، غير أنه ونظامه مثلث الأضلاع («فتح» والمنظمة والسلطة) وجدا تحديات لم يألفاها من قبل؛ أولها معالجة شؤون ملايين الفلسطينيين المقيمين في الضفة والقطاع والقدس بصورة مباشرة، وثانيها التعامل مع إسرائيل التي إن حسمت حكومتها أمر السلام مع الفلسطينيين على طريقة أوسلو إلا أن حكومة مختلفة ستأتي وعلى رأس أولوياتها تصفية ما حصل عليه الفلسطينيون وكأنه لم يكن، ما اضطر عرفات إلى أن يقاوم حتى استشهد.
ثالث التحديات تبلور معارضة فعالة لنهج «فتح» والمنظمة والسلطة جسّده الإسلام السياسي الذي نما واتسع على نحو أشد فاعلية من كل التشكيلات التي عارضت «فتح» في المنفى، فحدث ولأول مرة في التاريخ أن تخسر «فتح» أغلبية برلمان هي من أسسته وأغلبية شعبية لم تُنافس عليها من قبل، ولو توقف الأمر عند هذا الحد لأمكن معالجته، إلا أن ما حدث داخل «فتح» من تنافسات وصراعات كان هو الأشد تأثيراً على دورها ومكانتها القيادية المحسومة للساحة كلها، ذلك قاد منطقياً إلى ما هي عليه الآن وبدلاً أن تكون انتخابات العام 2006 التي أنتجت خسارة مدوية للحركة حافزاً للعمل الجدي لاستعادة الوحدة الداخلية واستعادة الجماهيرية المتراجعة، انزلقت الحركة الكبرى إلى انشقاقات فادحة تجسدت بالدخول إلى مشروع انتخابات مايو (أيار) 2021 بثلاث قوائم، ناهيك عن الصراع المحتدم داخل الجسم الرئيسي الذي يقوده الرئيس عباس واللجنة المركزية.
السؤال الذي يتردد على كل لسان فلسطيني وعربي ودولي، من هو خليفة عباس وكيف سيتم إنتاجه... هذا ما سأعالجه في الجزء الثاني من هذه المقالة.