لم يبق فصيل فلسطيني، أو مؤسسة رسمية وشبه رسمية، لم تطلق كمية من التحذيرات والتهديدات، فيما لو أقدم الإرهابي الوزير في الحكومة الفاشية المكثفة إيتمار بن غفير، باقتحام الحرم القدسي، بعدما انتقل من المعارضة الى الحكم، ليصبح أول وزير منذ 2000، يقوم بذلك بعد محاولة الإرهابي الراحل شارون، التي كانت شرارة المواجهة الكبرى.
زيارة بن غفير، تمت باتفاق كامل مع رأس الطغمة الحاكمة نتنياهو وجهاز الشاباك، بعد تقييم أمني وسياسي، وفقا لما قالت وسائل إعلام عبرية، وبتأمين حماية كامل من جهاز الشرطة الذي بات تحت قيادته، فقام بما "وعد" ناخبيه".
المشهد الاقتحامي تم بهدوء كامل، في غياب أي حضور فلسطيني، خلافا لما كان سابقا، حيث يواجه بغضب وأحيانا اشتباكات داخل الحرم المقدس وطنيا ودينيا، ولكنها مرت خلافا للمتوقع، انتظارا واتكالا لما هو قادم من هناك صاروخا.
وكي لا تمر المسألة بأنها "زيارة" إعلامية – إعلانية وانتهت، لترضية جمهوره الكاره للفلسطيني، فالحقيقة الخطرة، ان "الحدث البن غفيري"، ليس سوى خطوة أولى من الشروع العملي في تنفيذ الخطوط العريضة لحكومة "الرباعي الفاشي"، والتي تم نشرها ولم تعد سرية أبدا.
الخطوة البن غفيرية هي أول رد مباشر، على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول طلب رأي "العدل الدولية" بماهية الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، ورسالة مبكرة لما سيكون لاحقا، في حال تمت الإحالة والمناقشة.
خطوة بن غفير، ترسيخ لما أعلنته حكومة نتنياهو، بأن القدس والضفة الغربية هي جزء من "ارض إسرائيل"، ولا أحد يملك القدرة على معاقبتها على أفعالها في هذا الأرض، وأن مسألة القدس والحرم والبراق جزء مما تراه تلك الحكومة.
خطوة بن غفير، مقدمة عملية لقياس رد فعل الفلسطينيين على ما هو أكثر خطورة في المستقبل القريب، وقبل بدء مناقشة "العدل الدولية"، بالذهاب العملي في تنفيذ إجراءات ضم أرض الضفة والقدس، وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها.
خطوة سياسية حسابية في المقياس العام، تمثل نقطة ارتكاز رئيسية للمشهد القادم، والتي عليها سيكون معيارا لرسم "خرائط المنطقة" ليس جغرافيا فحسب، بل وسياسيا، وخاصة في إعادة تقسيم الضفة والقدس الى "محميات" تحت الحكم الإسرائيلي.
المسألة المركزية لما بعد خطوة بن غفير، هل حقا هناك قدرة فلسطينية عامة، بمواجهة مشروع حكومة نتنياهو حول الضم والتهويد، أم أنها "تهديدات" سيذهب ريحها مع كل كل خطوة يتم تنفيذها، من خطوط الحكومة الرباعية الجديدة.
ما بعد الخطوة، ستبدأ رحلة "الاتصالات المتشعبة"، تحت عنوان منع الذهاب الى "التفجير الكبير"، واعتبار الحدث البن غفيري، مضى وانتهى، والمطلوب محاصرة ما سيكون وليس ما كان.
هل سيكون التهديد بالضم وتنفيذ الخطوط العريضة لحكومة الرباعي الفاشي، أداة مساومة تستخدمها الولايات المتحدة، وابتزاز الرسمية الفلسطينية بوضع معادلة سياسية جديدة، وقف الإجراءات من الطرفين، أي تأجيل الذهاب الى العدل الدولية والجنائية الدولية مقابل تأجيل إجراءات الضم القانوني العلني.
المناورة السياسية مكشوفة جدا، فيما وراء "الخطوة البن غفيرية"، بأنها خطوة مباشرة لقياس رد فعل قادم لما هو أكثر خطورة سيتم تنفيذه، من الضم والتهويد، وفتح باب الفوضى العامة في الضفة الغربية، تمهيدا لمرحلة ما بعد عباس، والتي أطلقت أجهزة الاحتلال الأمنية شرارتها مبكرا.
غياب المواجهة الشعبية عن مظهر الاقتحام، مؤشر اتكالي حول ما سيكون رد فعل صاروخي، تكرارا لما حدث مايو 2021، مؤشر لا يقل خطورة عن الخطوة ذاتها، استبدال فعل الفعل المباشر بفعل منتظر محدود الأثر والتأثير ينتهي بانتهاء وقفه، لمصلحة العدو كما حدث منذ 2008 وحتى أخرها مايو 2021، فما تلاها كان ربح سياسي للعدو، وربح للانفصال وتعميقه.
"الخطوة البن غفيرية" فعل لفرض "استسلام رسمي فلسطيني" لمشهد التغيير الحكومي في دولة الكيان العنصري...وترسيخ كامل لفصل وانفصال بين جناحي "بقايا الوطن"، وإعلاء مصلحة الحكم على المواجهة.
السؤال، هل سيتم تغيير جدول أعمال الرسمية الفلسطينية، بتنفيذ خطوة واضحة محددة، بسحب الاعتراف بدولة الكيان، ووقف التنسيق الأمني معها، تمهيدا للخطوة التالية...أم تواصل عملها كما هو ثابت دون مستجد طارئ.
الرد "الصاروخي الحقيقي" على ما حدث يكون بتنفيذ خطوات باليد الوطنية وليس انتظارا لـ "صاروخ فارغ" الهدف الوطني..دونه سلاما الى حين ولادة جديد يواصل حمل راية الوطنية الفلسطينية.
*وزير سابق، والمشرف العام لموقع "أمد الإعلامي"