غادرنا عام 2022 ببعض من الأمل و التفاؤل بإمكانية تحقيق الحلم الذي تصور البعض أنه قد أصبح من الماضي، بعدما غادرنا قادته العظام.. إنه حلم الوحدة العربية الذي كان متوهجاً في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وخبا ضوؤه برحيل أحد قادته العظام الزعيم جمال عبدالناصر.
صحيح أن فكرة العروبة كانت كامنة عبر العصور في قلوب وعقول شعوبنا العربية، وكانت تطفو أحياناً وتخبو أحياناً أخرى، إلى أن أعاد مفكرون عرب إحياءها وتأصيلها في كتاباتهم أمثال ساطع الحصري وقسطنطين زريق وصلاح البيطار وميشيل عفلق وعصمت سيف الدولة وزكي الأرسوزي وشكيب أرسلان وغيرهم، وجاء الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ليعمل جاهداً على تجسيد الفكرة، ما أدى لتكالب قوى الاستعمار وأدواتها في المنطقة على الزعيم والفكرة، فعمل هؤلاء على عرقلة الحلم بدعمهم عناصر الانفصال عن أول وحدة في التاريخ المعاصر بين مصر وسوريا، إلى أن خبا الحلم برحيل الزعيم والعمل على شيطنة الفكرة من قبل الأداوت الإعلامية للمشروع الصهيوأمريكي المعادي للفكرة.
وفي الشهر الفائت كنا على موعد مع الحدث الرياضي الأبرز في المنطقة والمتمثل في مونديال كأس العالم في نسخة 2022 الذي استضافته إمارة قطر العربية فأبهرتنا بمستوى التنظيم الرائع، والذي أذهل العالم بالحضور القوي للقضية الفلسطينية في قلوب وعقول الشباب العربي، حتى قيل إن فلسطين كانت الغائب الحاضر في المونديال، وكذلك كشف التفاعل الشعبي العربي مع انتصارات الفرق العربية والتي بدأت بفوز الفريق السعودي على فريق الأرجنتين أحد أقوى الفرق العالمية، وجاء الأداء البطولي لفريق المغرب ليكشف بوضوح عن تفاعل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج مع الفريق المغربي.
وما إن تأهل الفريق المغربي للمربع الذهبي حتى تعالت صيحات الجماهير العربية قاطبة تشجيعاً ودعماً للفريق المغربي، وتابع العالم عبر وسائل الإعلام التفاعل الأسطوري للشعوب العربية في البلدان العربية، وتجلى ذلك بوضوح في وحدة الهتافات الداعمة والمشجعة للفريق المغربي في العواصم والمدن العربي من مراكش للبحرين، وكذلك الانتشار الواسع للإعلام المغربي في مجمل الشوارع العربية.
وقد سجل التاريخ هذه الملحمة التي جرت في دولة قطر، ويمكن القول بأن الرياضة حققت ما لم تستطِع تحقيقه القمم العربية والمؤتمرات، وما عجزت الملتقيات السياسية والاقتصادية عن فعله، بينما نجحت الرياضة في إخراج مكنون الشعوب العربية التواقة للوحدة والمحبة لبعضها البعض، وهذا الأمر كان له طيب الأثر في قلوب المغاربة على وجه الخصوص، حيث عمت الفرحة كامل التراب المغربي وغمرنا الإحساس بالفخر والامتنان للفريق المغربي الذي أسهم في الكشف عن الوهج الكامن في قلوبنا والمتمثل في حلم الوحدة العربية، وتجلى بوضوح بأن العربي للعربي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وتجسدت وحدة المشاعر والأهداف، وتلك خطوة مهمة في طريق النجاح والازدهار بكل عزم وإرادة وتجاوز كل الخلافات البينية التي تعرقل تنميتنا، لنبني اتحاداً عربياً متماسكاً، لا تزعزعه الرياح العاتية الآتية من أصحاب المشروع الصهيوأمريكي المعادي لتطلعات أمتنا في الوحدة والتنمية والتقدم.
انتهت اعمال المونديال لكن بقي الحلم على توهجه، وعادت الشعوب العربية تردد نشيد الشاعر العربي السوري سليمان العيسى الذي يختتمه بالقول:
من المحيط الهادرِ
إلى الخليج الثائرِ
رايات عبد الناصرِ
تدفّقي يا أرض باللّهبْ
وأشرقي يا أمةَ العرب