لم تكن عملية اقتحام الوزير الفاشي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى يوم الثلاثاء 3 يناير 2023، حدثا عابرا، كما حاول البعض تمريرها، بل هي جزء من خطة الحكومة الجديدة برئاسة نتنياهو وتحالفه الرباعي، لفرض التهويد على أرض دولة فلسطين في الضفة والقدس، وبناء جدارها "الانفصالي" في قطاع غزة.
ما كان من رد فعل سياسي بياني عربيا ودوليا، والذهاب الى عرض المسألة الى مجلس الأمن عبر البوابة الصينية – الإماراتية، يمثل خطوة يمكن أن تكون بداية عمل تكاملي لتترك أثرها الحقيقي، لعرقلة المخطط التهويدي، دون أن تمنعه أو تلغيه لاحقا، ما لم يتنقل الأمر الى شكل جديد، وفرض آلية عمل نوعية مختلفة، تكاملية الأبعاد والفعل.
ما حدث مواقفا، يسجل كقوة دفع يجب أن تكون لما يجب أن يبدأ من أرض فلسطين، وخاصة أن البيانات جميعها لم تقترن بأي خطوة فاعلة، يمكنها أن تربك المخطط المعادي، وأن يلمس مدى الضرر العملي على مصالحه المباشرة، أمنا، سياسة واقتصادا، وحضورا بات في المنطقة العربية.
نقطة الانطلاق نحو مشروع الردع العام لـ "الفاشية اليهودية المستحدثة" ومشروعها في الضم والتهويد، يبدأ من أرض فلسطين، قبل أي منطقة أخرى، فهي ودون سواها من يمكنه رسم ملامح الفعل والتأثير، خاصة مع وجود "حماية مطلقة" من الولايات المتحدة لدولة الكيان الاحتلالي، منعها تنفيذ أي قرار من الشرعية الدولية، وذلك ليس استنتاجا، بل واقعا منذ عام 1947، وحتى تاريخه.
منطقيا، وما قبل عقد مجلس الأمن الدولي جلسته مساء يوم 5 يناير 2023، لمناقشة عملية الاقتحام البن غفيرية للحرم القدسي، يجب أن تعيش الضفة والقدس حركة شعبية واسعة، تخرج في توقيت موحد لتكون "رصاصة" الانطلاقة الشعبية نحو المواجهة المفترض أن تكون، حضور شعبي في مراكز مدن وبلدات الضفة والقدس، تحمل راية فلسطين وصورة القدس عاصمة الدولة الوطنية التاريخية والأبدية.
حضور شعبي موحد، يكون على رأس كل مسيرة منه، عضو من تنفيذية منظمة التحرير وقيادات فصائل العمل الوطني بعيدا عن ألوان راياتها، لتكون رسالة سياسية مختلفة الأبعاد، داخليا قبل خارجيا، أن الخطر القادم لن يمر مرورا كلاميا عابرا، حضور وتفاعل شعبي ورسمي سيترك أثره مضاعفا من قوة التأثير عما سيكون من بيانات متوقعة، أي كان مضمونها، فما لفلسطين منها لا يوجد لقضية أخرى في كوكب الأرض.
الانتقال نحو تغيير "النمطية الرسمية" في المواجهة مع مخطط الفاشية اليهودية، والتي أعلنتها خطوط حكومتها، وأحد أبرز مكوناتها الإرهابي سموتريتش في عناصر نشرتها وسائل إعلام عبرية، لا تترك مجالا للتفسير، فهي إطار العمل المتوقع لتلك الحكومة التي وصفها كثير من يهود العالم، بأنها الأخطر والأكثر يمينية في تاريخ الكيان.
لم يعد مجهولا، مخطط العدو القومي، فتفاصيله معلومة ومعلنة ولا سر بها، ونشرها كان جزء من محاولة قياس الفعل الفلسطيني قبل غيره، وما سيكون من خطوات تكاملية، بين الحراك الشعبي العام والخطوات السياسية المفترض أن تنطلق، في تكاملية الرد الوطني.
الانطلاقة الوطنية، يجب أن تكون شرارتها الجديدة من تعليق الاعتراف بدولة الكيان وفق اتفاق إعلان المبادئ، قبل أي خطوة أخرى، خاصة أن حكومات الكيان وبعد اغتيال رابين أوقفت عمليا اعترافها بمنظمة التحرير، بل وأنهت كليا جوهر الاتفاق بتهويده الصريح، ولذا فقرار التعليق سيكون خطوة تغيير في قواعد المواجهة، وأيضا قوة دفع لمطالبة الرسمية الفلسطينية، من الجامعة العربية والأشقاء العرب بتعليق العلاقة مع دولة الكيان، ووقف كل إجراءات تطبيعية الى حين التزام دولة الكيان بقرارات الشرعية الدولية، وعنوانها الاعتراف بدولة فلسطين وحدود أرضها.
لعلها فرصة ان يتم استخدام حركة "التطبيع" التي حدثت، رغم مراراتها الكبيرة، باتجاه معاكس وخاصة أن نتنياهو كثير الكلام عن "ما سيقوم به من اقتحام المشهد العربي" دون أي قيمة للمشهد الفلسطيني، فكل خطوة تأديبية عقابية من دول "التطبيع" سيكون لها أثرا ذي أهمية خاصة، ورسالة الى سكان دولة الكيان، أن هناك ثمن بات عليكم أن تدفعوه من أجل الحصول على "السلام والأمن".
كل تأخير في تنفيذ قرارات فلسطينية تراكمت منذ عام 2012 وحتى تاريخه، سيكون عامل هروب عربي رسمي من القيام بخطوات ردع حقيقية ضد العدو وكيانه، لتستبدل بعبارات وبيانات تحمل كل أنواع "الرصاص خال من الدسم التأثيري".
الحراك القادم، عربيا ودوليا سينتهي أثره بانتهاء الحدث، ما لم يقترن بشكل متواصل، مع "خربشة سياسية فلسطينية موحدة"، تكاملا بين الرسمية ودورها والمواجهة الشعبية للعدو فوق أرض الوطن.