رحلة الإجرام التي تقودها «حكومة المجرمين»، بدأت للتو، بالإعلان عن طبيعتها العنصرية والفاشية، دون حساب للنتائج المترتبة على سياساتها. إيتمار بن غفير، بدأ بفتح مكتب له في النقب، وبتنفيذ وعده باقتحام المسجد الأقصى، بعد أن كان أعلن أنه سيقوم بتأجيل ما سيقدم عليه، وكأنه خضع للضغوط الداخلية والخارجية.
ثمة من اتهم الحكومة بالجبن، والتراجع بسبب التهديدات التي أطلقتها حركة حماس عبر الوسيط المصري والأممي، غير أن الخداع، طبع راسخ لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
في الموعد المحدد، وبموافقة من نتنياهو ورئيس جهاز «الشاباك»، وقادة الشرطة تسلّل بن غفير إلى المسجد الأقصى، كما قال الصحافي أوري مسغاف.
مسغاف قال: هذا إرهابي يتسلّل كاللص في الصباح لمدة ثلاث عشرة دقيقة، لم يصل، قام فقط بجولة «شوفوني» ليلتقط صوراً مثل الجبان عند مدخل المسجد الأقصى.
الإرهابي بن غفير، الذي يحاول أن يظهر شجاعته، كان يرتدي سترةً واقية من الرصاص، وكان محاطاً بالحرّاس، ولولا أنه اعتمد الخداع، فربما كان فعلاً سيتعرض إلى مواجهة صعبة وعنيفة مع الفلسطينيين المرابطين في المسجد.
سيثبت بن غفير ورئيسه في الحكومة، أنهما لا يخشيان رد فعل قويا من قبل الفلسطينيين، خصوصاً المقاومة في قطاع غزة، الأمر الذي كان سيشعل مواجهة عسكرية واسعة مع بداية عمل الحكومة.
قبل أن يتسلّل بن غفير إلى المسجد الأقصى، اندلعت في إسرائيل موجة واسعة من التحذيرات، التي أظهرت تخوفات حقيقية من أن اقتحام المسجد الأقصى، من شأنه أن يشكل إعلاناً للحرب على الفلسطينيين.
التحذيرات لم تصدر فقط عن المعارضة، وإنما شملت أعضاء كنيست ومسؤولين من أحزاب أخرى بما في ذلك «يهودات هتوراة» الشريك في الحكومة، وحذرت «من أن هذه العروض غير القانونية تعرّض حياة اليهود للخطر».
لعلّ من أطرف التحذيرات ما صدر عن عضو الكنيست دفورا بيطون من مستوطنة «سديروت» الذي خاطب: «معالي الوزير بن غفير، لماذا تصرّ على اقتحام المسجد الأقصى، نحن نخشى على مستقبل أبنائنا، أخبرنا متى ستقتحم حتى نعرف كيف نهرب إلى الشمال».
بقدر ما أن هذه شهادة على فاعلية وتأثير المقاومة الفلسطينية في حال اندلعت مواجهة ساخنة تنخرط فيها غزة، فإن ذلك يشير، أيضاً، إلى ارتباك واسع وعميق في المجتمع والنظام السياسي الإسرائيلي.
لم تندلع، وحسناً أن المقاومة في غزة، لم تدخل في مواجهة عسكرية رداً على ما قام به الإرهابي بن غفير بمباركة الحكومة الإسرائيلية، وإنما اكتفت بإطلاق صاروخ واحد، يعبّر عن جدية المقاومة واستعدادها.
كان مثل هذا الصاروخ، سيقابله رد واسع من قبل الجيش الإسرائيلي بقصفٍ شديد لعدد من مواقع المقاومة، لكن هذا، أيضاً، لم يحصل بسبب ردود الفعل الواسعة عربياً وإقليمياً ودولياً على ما قام به بن غفير.
خطوة بن غفير، أحدثت ما يشبه الزلزال السياسي داخل الكيان وخارجه، وأول نتائجها تأجيل الزيارة التي كان سيقوم بها نتنياهو للإمارات العربية المتحدة.
دول الخليج، كل على انفراد، ومجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، والجامعة العربية، وبقية الدول العربية، ومن بينها التي وقعت على «اتفاقيات أبراهام»، نددت بما قام به بن غفير.
ربما كانت حكومة نتنياهو ستتجاوز البيانات والإدانات من قبل الدول العربية والإسلامية، لكنها لا تجرؤ على تجاوز الإدانة التي تصدر عن حلفائها الدوليين مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
على إسرائيل أن تخشى فعلاً، أن تؤدي سياساتها المنفلتة إلى قطع الطريق أمام نتنياهو الذي يتطلع إلى توسيع «اتفاقيات أبراهام» لتشمل دولاً عربية أخرى، بل ربما تؤدي هذه السياسة، أيضاً، إلى إفساد ما تحقق حتى الآن على صعيد التطبيع.
في الواقع، فإن عمر «اتفاقيات أبراهام» قصير، بالنظر لأن من بادروا إلى تطبيع العلاقات، ليس بمقدورهم أن يتحمّلوا سياسات حكومة عنصرية فاشية، تهدد الأمن والاستقرار في «الإقليم»، وتنسف كل إمكانية لتحقيق «رؤية الدولتين».
فضلاً عن ذلك، سيكون من الصعب على مثل هذه الحكومة المحافظة على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة والمجتمع الغربي، بالإضافة إلى تصدع العلاقات مع الجاليات اليهودية في الخارج.
تصدع في الأوضاع الداخلية، وفي العلاقات الخارجية، هذا هو الوضع الذي تتجه نحوه إسرائيل في ظل هذه الحكومة، الأمر الذي يطرح سؤالا وهو: هل تستقر هذه الحكومة، أو أن نتنياهو سيبادر إلى تفكيك تحالفه، بعد أن يمرّر الإجراءات المطلوبة للنجاة من المحاكمة على تهم الفساد وخيانة الأمانة؟
في مثل هذه الحالة، ينبغي أن تتمتع السياسة الفلسطينية بالحكمة والحنكة ما يعني أن المقاومة في غزة عليها أن تتمتع بالصبر، وألا تستعجل المواجهة العسكرية، التي إن اندلعت، فإنها ستحول الأنظار عما يجري في القدس والضفة الغربية، وربما تؤدي إلى تهدئة الجبهة الداخلية في إسرائيل، لأن الجميع يتوحّدون عند مواجهة ما يعتبرونه خطراً خارجياً.
جولةٌ أخرى من الاشتباك العسكري الواسع لن تكون نهاية المطاف وسينهض السؤال: وماذا بعد ذلك؟ فالسياسات الإسرائيلية الإجرامية لا تتوقف وليس المسجد الأقصى، هو فقط الخط الأحمر بالنسبة للفلسطينيين، ولا ينبغي أن يكون.
عدا ذلك، فالأفضل منح الشباب في الضفة والقدس الفرصة، لأن يتولّوا الردّ، وهم كفؤ لذلك، ولم يتأخّروا. الطريق مع هذه الحكومة في بداياته، ويعطي فرصة لتفعيل الدبلوماسية والسياسة ومواصلة العمل لعزل إسرائيل دولياً وإقليمياً.