فرحنا كثيرا بعد أربعين عاما بحرية البطل كريم يونس، من ظلام سجون الاحتلال وفاشيته وعصريته وظلمه، واحتفلنا به وحمله الشعب على الأكتاف، ومن لم يستطع حمله على كتفه حمله بين سطور كلماته.
ما يثري إحساسي بالفرح والحزن أكثر في اللحظة التي رأيته حرا هو شيب رأسه، وصوته المتحشرج من البكاء حين تقبيله لعائلته التي خلا استقبالهم لها من والده ، هذا يقول له أنا فلان ابن شقيقتك، وأطفال تم إنجابهم وهو في سجنه، وذاك يقول له أنا صديقك فلان وهو يتفحص وجوههم يستذكر مراحل عمره التي خلت منهم، وحل مكانهم برودة سجنه وسلاح السجان يحمل أقفال الزنازين. الآن البطل بامتياز كريم يونس حرا طليقا ، لكن نظراته لا تزال هناك، بعيدا عند الأسرى في زنازينهم، يضربون عن الطعام، ويصارعون الاعتقال الإداري، وروتين الحياة من وجبات طعام مكررة، وملابس موحدة تخلو من البهجة، وكتب قليلة لا يختارونها تخلو من أشعار نزار وتفتقد لرصاص كلمات غسان كنفاني، وغياب حنان أصوات زوجاتهم وعاطفة الحب معهم، ففي السجن يعد الهاتف المحمول لغما ينفجر بوجه السجان بلحظة.
قد تضحكون حين ذكرت الهاتف المحمول وكأني أريد تحويل السجن لمكان رفاهية، لا تضحكون في الخيال مسموح الشرود إلى بعيد، فعيون كريم يونس شاردة، وقلبه يأخذه الحنين ولسان حاله يقول:" يا الله لو يشعر المسجون بما أشعر به الآن، هواء نظيف وأحضان دافئة من عائلتي، وطعام لم أره من سنوات عديدة مضت، وأكثر سأنعم الليلة بفراش ألوانه مغايرة عن عتمة فراشي قبل حريتي، ضعوا لي ضوء متوهج بغرفتي، مللت ضوء زنزانتي الذي سلب نظري بخفوته، جهزوا حمامي الدافئ بمكان واسع مختلفا عن قبو الزنزانة،
ملابسي أريدها ملونة سئمت اللون البني المختوم برقم أسري، لا أريد العدس اليوم، وسأختار ملعقتي وأجرب تقطيع الأكل بالسكين، فهي كانت ممنوعة عني، سأمارس الليلة الحياة، وأقف عند آخر يوم تركتها به، سأفتش في قصاقيص أوراقي، سأعود بذاكرتي لما كنت أحبه.
أريد الذهاب إلى السوق، غدا الجمعة، أريد اللمة على الطعام صغيرا وكبيرا، تحملوني وأسرفوا على هذه اللحظة، أشتاقها، تذكرت أحب الدجاج والمفتول، فليكن هو الغذاء، ما هذه الصورة، أزيلوها لا أريد صورتي بلباس السجن، احضروا صورتي وأنا شابا، يهدأ كريم يونس، يعيش الحياة من جديد، يولد اليوم، لكنه كتب بعنوان حياته من جديد(( الحرية لزملائي، الحرية لأسيراتنا).
أغادر حياة كريم يونس الجديدة في مخيلتي وتفاصيلها الحيوية، والتفت إلى وكالات الأخبار، هذا الفصيل يهنئ، وذاك الفصيل يتوعد كما توعد منذ سنوات.
أوووه ولا أنسى الرئيس يهنئ كريم يونس، والفصائل لقد اتحدت في بيان واحد نشرته وعنونته بالفصائل الفلسطينية تهنئ كريم يونس بالحرية، دعوني أتوقف وأبتسم قليلا، هل يستحق كريم يونس هذا الانفصال والانقسام، هل سيؤمن أن هناك حرية لزملائه قبل أن يمضون عداد محكوميتهم؟ كيف سيطمئن وأنتم ليس على قلب رجل واحد؟ الأمر مضحك حقا.
أؤكد أنه سيتابع الأخبار ويرى مانشيتات الانقسام، ويرى كيف تم عقاب أهالي الأسرى والشهداء بقطع رواتبهم، ويري كيف تم التصرف بحركة فتح التي ينتمي لها وما حصل بها من تشرذم وانقسام واستبعاد وكأنها ملك مالك وعزبة له، وسيتألم بما نال منظمة التحرير ومركزية حركة فتح التي تحولت، سيتوه كريم يونس بكل هذا.
كريم يونس لا يريد تهاني بقدر ما يريد قوة، لأنه عانى الأمرين من غياب هذه القوة والتي كانت نتيجتها أربعين عاما في سجن مظلم.
كريم يونس يريد أساس، ومصالحة وحركة فتح قوية.
لا تجعلونا نضحك أكثر بسرد التهاني وسيرة كريم يونس التي تسردونها ولا تحفظوها و المكتوبة في ويكيبيديا، توحدوا حتى يظن بكم كريم يونس خيرا يصيب زملائه فيتحررون، وامنحوا كريم يونس حقه بالقيادة لأنه يدرك حجم المعاناة، لا تجعلوا الأحقية بالقيادة مقتصرة على من يلتفون حول بلاط السلطان، اصنعوا من تاريخ كريم يونس بداية لنصرة قضيتنا، اصمتوا قليلا عن الكلام وابدأوا بالعمل.
هنيئا لك أبانا كريم يونس حريتك وانتصارك رغم محاولة الاحتلال إخفاء هذا الانتصار، ومحاولته منع حملك عل الأكتاف والتهليل بحريتك، أنت قائد بامتياز أيها الثائر .