قبل ثماني سنوات أصدر الصديق الكاتب أنطوان شلحت كتابا بعنوان "نتنياهو . .عقيدة اللاحل".
كان الكتاب أشبه بمهمة تفتيش جنائية سياسية في عقل رئيس الوزراء الأكثر دهاء في تاريخ من حكموا تلك الدولة، استدعى الكاتب كل شهود العيان في تلك المرحلة من أكاديميي إسرائيل ومثقفيها وكتابها وسياسييها وهم يدلون بشهاداتهم التي لم تدع مجالا للشك بأن قدرات ميكافيللي وفريديناند تبدو شديدة التواضع أمام دهاء نتنياهو.
كيف تمكن من البقاء كل هذه المدة محطماً الرقم القياسي لبن غوريون في بلد اعتاد على تغيير رؤساء الوزراء؟.
ذلك كان يحتاج إلى قدرات هائلة في الاحتيال، هكذا تقول الشهادات المدعمة بسلوك لم يمارسه ضد الفلسطينيين فحسب بل إنه خان أقرب حلفائه وشركائه الذين انقلبوا جميعهم ضده، ولم تكن الحكومة السابقة التي أسقطته سوى تحالف حلفائه ضده الذين كانت آثار فأسه على وجوههم.
نفتالي بينيت كان تلميذه ومدير مكتبه قبل أن يطرده بشكل مهين "من أمر بطرد بينيت من المكتب كانت سارة نتنياهو"، وقبله كان أفيغدور ليبرمان قريبا من حاشية نتنياهو فقد كان المدير العام لليكود قبل أن يطرده ثم يستدعيه شريكا بعد عقدين كوزير للدفاع ليوجه له الإهانة الأكبر ويطرده من الائتلاف، وقبله طبعا خان موشيه يعالون وغيره كثيرون.
آخرهم بني غانتس الذي اتفق معه على تداول الحكم وحين جاء دور غانتس قام بحل الحكومة وذهب للانتحابات وأظهره كالزوج المخدوع أمام ناخبيه.
في تسريب صوتي للشريك الجديد بتسلئيل سموتريتش وأثناء المفاوضات الائتلافية كان سموتريتش يقول عن نتنياهو: "كذاب ابن كذاب" فقد بات معروفا للجميع، لا أحد يثق به فكل حركة أو سلوك مدعاة للشبهة السياسية وللتحليل أخذاً بمعيار الاحتيال بما فيها الموافقة على اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى. ففي تلك الحادثة أحال شريكه للأجهزة الأمنية فهو أراد تحميله مسؤولية الأحداث إن وقعت ولسوء حظ الفلسطينيين كان تقدير جهاز المخابرات أنه لن يحدث أي شيء، من ناحية فهو يستخدم بن غفير كعصا غليظة في وجه العالم لتمرير خططه وللحفاظ على تماسك حكومته، ومن ناحية أخرى يستخدم الفزاعة الإيرانية ضد بن غفير حين يريد تطبيعه باعتبار أنه بحاجة للولايات المتحدة لهذا الملف وكذلك الترويج بإغراء التطبيع مع السعودية وكلاهما يتطلب هدوء بن غفير في اللحظة التي يريدها نتنياهو.
سيلعب على كل الحبال وسيستخدم الجميع ضد الجميع من أجل البقاء. فقد تحالف مع سموتريتش الذي خذله العام الماضي وحرمه من رئاسة الحكومة التي كانت في متناول اليد وبكل إذلال المفاوضات الائتلافية والذي قال عنه كذاب ابن كذاب ليس سوى لتمرير مشاريع تخليصه من المحاكمة، وأغلب الظن حين يتمكن من تحصين نفسه سيتخلص من ابتزاز هؤلاء الشركاء المزعجين على مستوى الداخل والخارج وربما يسعى لاستبدالهم بقائمة المعسكر الرسمي الذي يقوده وزير الدفاع السابق غانتس والذي تكفي مقاعده الإثني عشر لاستمرار الحكومة وخصوصا أن غانتس الذي لم يتعلم درس الخديعة قد أرسل ما يكفي من الإشارات حول استعداده للدخول في الحكومة كجنرال يقف في مقاعد الاحتياط انتظاراً لأمر الاستدعاء العسكري.
هذا سيناريو واقعي لمن التهم بلا رحمة كل شركائه وأصدقائه وحلفائه لكنه سيستفيد بالحد الأقصى من المدة التي يتواجدون فيها لفرض وقائع على الأرض مبرراً للعالم سبب ضعفه أمام الشركاء، وذلك بفرض معادلات جديدة في القدس وإكمال الإجهاز عليها كعاصمة للشعب اليهودي كما جاء في صفقة القرن والانتهاء من عمليات الضم وشرعنة البؤر الاستيطانية وإكمال المشروع الاستيطاني، أي تنفيذ بنود صفقة القرن ميدانيا بعصا الصهيونية الدينية ثم التخلص منها لأنها وبكل الظروف باتت تشكل منافسا في ملعب اليمين ينبغي تجفيفه كما قالت زوجة بن غفير التي تحلم بزوجها رئيسا للوزراء.
وإذا ما تخلص منهم سيقدم نفسه وحكومته للعالم بأنه رجل وسطي مسالم بعد أن يكون قد قضى على كل شيء ينتقل بعدها للملفات الأخرى بسلاسة وبمساعدة كبيرة كملف التطبيع والملف الإيراني، بعد أن يكون قد تمكن من إبهار العالم بطرد الخارجين على القانون الدولي الذين تسببوا في التصعيد وجر المنطقة للعنف واستدعاء كل هذا الصداع الدولي لعالم لا يريد سوى الهدوء، وبعد أن يظهر أمام المجتمع الإسرائيلي كمخلص وهكذا يعود بصورة جديدة ومحبوبة أمام الجميع في إسرائيل وخارجها ،الزعيم العاقل الهادئ...لم يكن حتى الشيطان يفكر هكذا.
كيف قدر الشاباك وهو يعطي موافقته على زيارة بن غفير للأقصى بأنه لن تكون ردود فعل فلسطينية ؟ ببساطة لأنه بات يقرأ أن المعادلة اختلفت وأن السقف الفلسطيني آخذ بالهبوط وأن الجسد الفلسطيني الذي أنهكته صراعات الإخوة الألداء لم يعد قادراً على تقييم الأشياء، وأن ما كان يستدعي ردة فعل هائلة لم يعد كذلك بسبب ذلك الهبوط فقد تخدر الجسد حد الاقتراب من فقدان الشعور. كيف ؟ ولماذا تدحرج الفلسطينيون إلى هذا ؟ ومن المسؤول؟ سؤال برسم العجز.
في حرية كريم يونس ما يستدعي محاكمة التاريخ الفلسطيني. كيف يمكن أن يمضي أسير أربعة عقود في السجن دون أن تتمكن الحركة الوطنية من إطلاق سراحه ؟ في هذا ما يمكن أن يصلح لإعطاء علامات نتيجة لامتحان الأداء الطويل عديم الكفاءة حد الفقر ...!