لا يزال غالبية أسرى الوطن الذين واجهوا آلة الإرهاب الإسرائيلي وسجانيه، يتذكرون فلتيسيا لانجر، الشيوعية اليهودية التي حملت راية أسرى الحرية دفاعا عن قضاياهم أمام الجلاد، امرأة دخلت كل بيت فلسطيني حبا وتقديرا، وصل الأمر ان تلقب بـ "الحاجة فولا"، حبا وتقديرا لدورها الكبير في الدفاع عن الفلسطينيين، ووقفوها متحدية للفاشيين المعاصرين.
لقد كان الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين بالنسبة لفيليتسيا لانغر نهج حياة، في إطار موقفها السياسي والفكري دفاعا عن حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، وفي المقدمة منها حقه بتقرير المصير وبناء دولته المستقلة.
خلال حياتها أصدرت عدة كتب، منها روائية وأخرى توثيقية، غالبيتها تعني بقضايا الأسرى وروايات معاناتهم، لكن كتابها الشهير “بأم عيني” الصادر في منتصف سبعينيات القرن الماضي احتل مكانة في ذاكرة أهل فلسطين، حيث قدمت من خلاله شهاداتها حول جرائم سلطات الاحتلال، ونماذج من أصناف التعذيب الممهنج الذي مورس بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونه.
رحلت "الحاجة فولا"، وضعف كثيرا جدا نموذجها، الذي قدم للإنسانية والحياة المراد لها تعايشا بلا فاشية ولا عنصرية، رايتها لم تنكسر وإن أصابها شرخ كبير، الى أن عادت ملامح تلك "الصورة" الخاصة عبر شخصية دكتور في الفلسفة السياسية الشيوعي عوفر كاسيف، النائب اليهودي الوحيد المعادي للصهيونية في الكنيست الإسرائيلي، عن قائمة الجبهة والعربية للتغيير.
كاسيف واصل مسار "الحاجة فولا" (بأم عيني) بطريقة إبداعية، واختار القدس والأحياء المعرضة للتطهير العرقي مكانا دائما للكفاح ضد الفاشيين ومخططهم، يقود بشكل شبه دائم حركة تظاهر أسبوعية في المكان الذي غابت عنه كثيرا فصائل وحكومة فلسطينية، رغم ان أهله قدموا نموذجا حيا وحيويا للدفاع عن قضيتهم، ورفضهم المطلق مخطط الفاشية ورأسهم نتنياهو – بن غفير.
كاسيف، تعرض لعمليات ضرب وسحل من قبل شرطة دولة الكيان العنصري، خلال تلك المظاهرات الاحتجاجية الدائمة، سلوك لم يكسر إصراره بالمضي في طريق يراه حقا للشعب الفلسطيني بتحرره من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة، كان من الأوائل الذي قال في أحد المواجهات، عن وزيرة العدل عام 2021 إيليت شاكيد بأنها "حثالة النازيين الجدد"، ووصف رئيس الوزراء في حينه بنيامين نتنياهو بـ "القاتل النهم".
وبلا أي غموض، قال كاسيف في تصريحات سابقة تعريفا لدولة الكيان، وقبل الانتخابات الأخيرة التي جلبت الفاشية الدينية الى الحكم، "الحكومة الإسرائيلية تشبه فاشية ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي"، و"هدفي والتزامي هو النضال من أجل العدالة والديمقراطية"، وهذا يعني "لا احتلال ولا فاشية ولا قومية عرقية ولا عنصرية".
رؤية تحكم مساره الفكري والسياسي، مواصلا حمل راية الدفاع عنها عمليا، ليس فقط عبر الكنيست خطبا ومواقفا، بل يذهب بشكل دائم لقيادة مسيرات رفض العنصرية ومخطط التطهير العرقي لبعض أحياء القدس وبلداتها، ما اثار القوى الفاشية والعنصريين ليروا فيه "خائن" و"يساري فوضوي" و"عار على الشعب اليهودي".
كاسيف نموذج قد يبدو "فريدا نادرا"، لكنه الأكثر قيمة إنسانية وسط "دولة فاشية عنصرية"، لم يعد لها "مثيل"، تحتل شعب وتصادر أرضه وتعمل على طمس هويته، بحماية مطلقة من الولايات المتحدة، وكثير من بلدان أوروبا ذات النزعة الاستعمارية – الاستعلائية.
لـ "كاسيف" الإنسان والمناضل تحية وفاء وتقدير، من كل وطني فلسطيني لشخصية أكدت أن التعايش ليس مستحيلا ما لم تكن عنصريا فاشيا استعلائيا، وأن الحرية ليس انتقائية..فشكرا عومر.