ما قبل عصر "الانفتاح العربي" على دولة العنصرية والاحتلال التطهيري، كان اسم فلسطين، دون تقسيم حدودي تحتل مكانة مركزية بالمعني العام، ثقافة ووعيا وبعدا سياسيا، لكن حركة الانحياز لها شرطا لأي علاقة مع الكيان، أصابها ارتداد شامل، وانكسر الربط بين فلسطين والسلام مع العدو المحتل، ما فتح الباب لبعض المفاهيم التي تلحق ضررا وجدانيا بجوهر الصراع العام في المنطقة.
مؤخرا، أقرت دولة الإمارات، وفقا لسفارتها في أمريكا، بأنها قررت تدريس مادة عن "الهولوكوست"، ضمن ما أسمته تعزيز مفاهيم "المحبة" بين الشعوب، ولأن الفلسطيني لم يقف يوما مديرا ظهره لأي ممارسات نازية – فاشية، فلم تنكر القيادة الوطنية الفلسطينية تلك الأحداث الكريهة، بعيدا عن "الأرقام" المتداولة حول من قتلوا جراء تلك الجريمة، بعضها لغايات الاستعطاف، أو ما يمكن تسميته "التسول السياسي العاطفي".
ومن باب تعزيز مفاهيم "المحبة والسلام"، وفتح آفاق للتعايش المشترك في المنطقة، بات من الضروري أن يكون هناك أداة قياس واحدة، بأن يتم صياغة الجديد التدريسي وفقا لحقيقة الرواية الفلسطينية، منذ دخول الحركة الصهيونية أرض فلسطين تسللا بدء من عام 1881، ثم فرضا استعماريا من خلال الوعد الزائف تاريخيا المعروف باسم "وعد بلفور" من الدولة التي تتحمل أس الكارثة المعاصرة، بريطانيا، الآفلة الى الاندحار، وما تلاها من جرائم ومجازر تم ارتكابها من فرق الحركة الصهيونية بمختلف مسمياتها.
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر 2022، قدم الرئيس محمود عباس ملامح هامة عن حقيقة "الرواية الفلسطينية"، وما قامت بده الحركة الصهيونية وكيانها الذي تم فرضه بالإكراه والغزو، عام 1948، وممارسات التطهير العرقي الشامل التي طالت تدمير ما يزيد عن 500 بلدة وقرية، تم إزالتها كليا عن "الخريطة الجغرافية"، دون أن تزول أبدا من "خريطة الوعي الفلسطيني"، حيث لازالت بكل تفاصيلها حاضرة رغم حركة التزوير المكثفة لتهويدها.
وبالتوازي مع حركة الاقتلاع والإحلال التي نفذتها دولة الكيان، ارتكبت جرائم حرب ربما هي الأعلى رقما كميا ونوعيا ضد الشعب الفلسطيني، بدأت من دير ياسين ولا تزال تتواصل حتى آخر جريمة في جنين صباح يوم 14 يناير 2023.
إعادة تدريس "الرواية الفلسطينية" وصياغتها ضمن تطور الأحداث، وطبيعة الحركة الصهيونية بصفتها حركة عنصرية وتطهير عرقي، وفاشية الفكر والممارسة، تعتبر "ضرورة قومية" ليس من أجل شعب فلسطين وحده، بل حماية لوعي الشعوب العربية من محيطها الى خليجها، وضد الهدف الحقيقي لتلك الحركة التي لم تتخل عن شعارها المركزي الزائف ابدا، "حدودك يا إسرائيل من النيل الى الفرات".
إعادة تدريس "الرواية الفلسطينية" بالتوازي مع قبول الممثل الرسمي الفلسطيني كل مبادرات السلام، وصنعت أول اتفاقية مع حكومة رابين عام 1993 ما يعرف بـ "اتفاق أوسلو" تم اغتيالها من قبل اليمين الفاشي المعادي للسلام، والذي بات اليوم حاكما في دولة الكيان.
تدريس "الهولوكوست" منفردا، وبعيدا عن "الرواية الفلسطينية" وجرائم حرب الحركة الصهيونية، وعمليات التطهير العرقي والعنصرية والثقافة الاستعلائية والإحلالية، سيكون مخالفا كليا لشعار "تعزيز مفاهيم المحبة والتعاون والسلام" وسيؤدي الى ترسيخ "رواية ضلال فكري – سياسي" على حساب "رواية الحقيقة".
ما يجب أن تقوم به "الرسمية الفلسطينية" اعداد وثيقة كاملة حول "الرواية الفلسطينية"، وضرورة تدريسها كجزء من المنهاج الرسمي العربي، وتناقشها مع جامعة الدول العربية وهيئاتها الثقافية والتربوية المختصة، حماية لثقافة شعوب عربية في مواجهة ثقافة زائفة أو عرجاء، وتحصينا لوعي أجيال قادمة من خطر ضلال عام.
مظاهر "المقاومة الناعمة" باتت أحد الأسلحة الهامة في مواجهة مشاريع العدو القومي، يجب ألا تبتعد أبدا عن سياق حركة الفعل الفلسطيني ضد الفاشية اليهودية المستحدثة، صاحبة "الهولوكوست" المعاصر ضد فلسطين الأرض والهوية والشعب.