أمس بدأ ائتلاف المعارضة في دولة الكيان تحركها لإسقاط حكومة ائتلاف ممن هم متهمين بتهم جنائية وإرهابية وفساد، حكومة الإنقلاب على القانون والقضاء، حكومة الإنقلاب على التربية التعليمية لتحويلها لتربية دينية توراتية، حكومة العنصرية والأبارتهيدية ضد كل ما هو فلسطيني، هذه الحكومة التي حددت برنامجها بإعتبار أن أرض إسرائيل هي حق حصري للشعب اليهودي، وهذه الأرض حددت جغرافيتها وفقا لبرنامج الإئتلاف بحيث تشمل " الجولان والجليل والساحل والنقب والضفة الغربية والقدس"، كل جغرافية فلسطين الإنتدابية مضافا إليها الجولان السورية، ووفق ما أسموه زورا "أرض يسرائيل".
إن ما يجري في دولة الكيان الصهيوني نابع من طبيعة هذا الكيان الديموغرافية غير المتجانسة فكريا، فالكتلة البشرية التي تعيش على الأرض الفلسطينية والعربية متوحدة في مواجهة الفلسطينيين بالذات والعرب بشكل عام، وإستمرار وحدتها تنبع من إستمرار الحالة الأمنية المهددة لوجودها، لذلك يبقى مشروع الإحتلال للمناطق المحتلة في حزيران 1967 شرطا للبقاء من جهة، ومن الجهة الأخرى عامل للإنقسام.
الاحتلال المستمر للضفة والقدس سيؤدي لحالة أمنية غير مستقرة تدفع الكتلة البشرية في دولة الكيان الصهيوني للخوف على وجودها، فتتوحد فيما بينها لتحصين ذاك الوجود، وفي نفس الوقت، هذا الإحتلال سيعزز من سيطرة اليمين الديني القومي التوراتي لأن الضفة والقدس هي أرض "الرب" "يهوة" الممنوحة لعبيدة من "بني إسرائيل" مما يستدعي تطبيق شريعة "الهلاخاة" من أجل إرضاء الرب المانح، وهذا سينعكس على الكتلة البشرية التي تسمي نفسها أحفاد "بني إسرائيل" على شكل صراع وتناقض بين العلمانيين الليبراليين وبين أبناء الرب "يهوة".
إن التطور بالعودة والحنين للماضي "الحمشمؤاني" وما إعتراه من تناقض بين "الصديقين" المحافظين و"الفريسين" الإصلاحيين، جاء عبر تراكمات في العقود السبعة الماضية، وقد ادت سيطرت الملك "نتنياهو" على النظام السياسي في دولة الكيان الصهيوني إلى التسريع في ظهور الأعراض "الحشمؤانية" والتي تمثلت بما يلي:
أولا- إن ما حدث هو نتيجة طبيعية لتراكمات اوجدها "نتنياهو" وأساسها نظام "الكراهية" الذي ادى لفرز واضح حتى داخل اليمين، مما فرز تحالفات واضحة بين كارهي "نتنياهو" وبين المستفيدين والمستغلين لوضع "نتنياهو".
ثانيا- الصراع الدائم بين "العلمانيين" و "المتدينين" ظهر بقوة للسطح واصبح جزءا من التحالفات القائمة، فهذا اليميني المستوطن "ليبرمان" يشترط عدم دخول الأحزاب الحريدية لدخوله اي تحالف ويلتقي مع حزب "لابيد" في مفهوم العلمانية بشكل مبدأي.
ثالثا- تعاظم قوة الحريدية الأرثوذكسية والدينية اليهودية القومية في الكنيست وفي الشارع الإسرائيلي وإستغلالهم ضعف "نتنياهو" لفرض كل شروطهم، إن كان على داخل الكيان او بما يخص القضية الفلسطينية.
رابعا- هناك تماهي بين "نتنياهو" وبين المؤتلف معهم في الحكومة بما يخص القضاء والوضع في الضفة والقدس و"نتنياهو" يناور ويلعب في السياسة كعادته لكنه في واقع الأمر مستعد للذهاب إلى أبعد وأقصى حدود معهم، فهو يريد سيطرة كاملة للمنتخبين في الكنيست على القضاء وقضاة المحكمة العليا وبما سيؤدي لتغيرات جوهرية في ما يسمى الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط مما سيعكس نفسه بقوة على القدس والأماكن المقدسة وكل الضفة الغربية.
الإئتلاف المناهض لـ "نتنياهو" يعي المخاطر الحقيقية والفعلية التي تواجه اسرائيل الاولى والثانية، لأن إسرائيل الثالثة ذاهبة نحو الإنغماس أكثر في تعاليم "الهلاخاة" وفي الإقتراب الفعلي من نظام التحكم والسيطرة السياسية على ما يسمى "الدولة العميقة" كنتيجة للتعديلات القانونية المقترحة. وفقا لذلك فليس أمام مناهضي هذه الحكومة سوى الخروج للشارع للضغط لإسقاطها، وكما كتب "لابيد" في رسالته ووضعها على مكتب رئيس الوزراء القادم "نتنياهو" وبنص "لابيد 2024" فهذا يشير لوضع سقف زمني لمدة سنة لإسقاط هذه الحكومة، وعلى ما يبدو سيكون هناك إئتلاف واسع وسوف يتعاظم وهو يشمل كل الأحزاب المناهضة لنتنياهو ومعهم شركات الهاي تك والعديد من منظمات المجتمع المدني، والهدف المعلن هو التدحرج في المظاهرات حتى تصل للمليونية وعدم مغادرة الساحات إلا بإحداث التغيير المطلوب متمثلا في وضع حد للإنقلاب بأشكاله المختلفة، خاصة بما يتعلق بالقضاء والمحكمة العليا وقوانين "درعي" و "بن غفير" و "سموتريطش.
تقديري الشخصي:
أولا- الدولة العميقة بأغلبيتها ضد توجهات حكومة نتنياهو.
ثانيا- المجتمع الدولي وبالذات الإدارة الأمريكية سيكون سيف ضاغط.
ثالثا- الجيش وجهاز الشرطة لن يقبل سيطرة السياسيين لأنهم يتعاملوا بمهنية ولكنهم في النهاية سيرضخوا لقرار الكابينت ولن يتمردوا.
رابعا- سيحدث صدام وإنقسام بطريقة بعيدة عن العنف لكنه لن يؤدي لخراب الدولة لأنهم في النهاية سيصلوا لتسوية.
خامسا- إذا شعر نتنياهو بأن الامور قد تفلت من يديه بشكل كبير سيفكر بالتصعيد الأمني مع جبهة الجنوب او جبهة الشمال، وقد يصل الأمر إلى توجيه ضربة لإيران خاصة إذا ما حدثت الحرب الأذربيجانية الأرمينية والتي ستتضرر منها إيران كثيرا وقد تؤدي لتدخلها.
سادسا- الوضع في القدس والضفة وبالذات الأماكن المقدسة في القدس سوف تتصدر كل العناوين ويبدو ان الأحمقان "بن غفير" و "سموتريطش" قررا اللعب بكل اوراقهما، وهذا يعني أننا مقبلين على معركة كسر عظم بهذا الخصوص، نتيجتها ستؤدي لظهور طبيعة دولة الكيان الصهيوني الحقيقية كدولة أبارتهيد ودولة التفوق العرقي الديني.
الخلاصة:
الصراع الداخلي بين الدولة العميقة والإنقلابيين في دولة الكيان لن ينهك الدولة، ولن يؤدي لدمارها، بل سيؤدي إلى فرز واضح في طبيعة موازين القوى الداخلية التي ستتحكم في مفاصل الدولة والتي من وجهة نظري ستذهب اكثر نحو اليمين الديني القومي والحريدي، فهؤلاء هم المنتصرين على حساب اليمين الليبرالي بعد أن إنتهى ما أسموه اليسار فأكثر من نصف اليهود يدعموا الإنقلابيين، اما في الموضوع الفلسطيني فالمعركة سيتم نقلها لجوهر ديني اكثر من كونه سياسي، وهذا سيؤدي لتوسع رقعة الصراع لتشمل معظم دول غرب آسيا، ويبدو ان جغرافية ما بين البحر والنهر سيعيش فيها كما قال أحدهم فقط "اليهودي الفقير والضعيف والمتطرف الديني".