منذ صدرت المبادرة السعودية للسلام التي صارت بعد إقرارها في القمم "عربية" وبعد مؤتمر طهران "إسلامية".
دخل الجميع الى منتدى الاعتدال، ورغم تقادم الزمن والتجاهل الإسرائيلي لها، فقد ظلت قيد التداول العربي نظرا لاجابتها عن سؤال هل لدى العرب مشروع سلام؟
أساس المبادرة ان التطبيع العربي مع إسرائيل تم ربطه بشرط اعترافها بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، التي اقرتها الشرعية الدولية، ورغم وضوح النص والاجماع المتبلور عليه، الا ان إسرائيل لم يعجبها الشرط، كونه يخالف سعيها المحموم لكسب الاعتراف العربي بها والتطبيع معها قبل ان تفتح الملف الفلسطيني، أي ان تضع العربة امام الحصان، والى ان تنجز علاقاتها المستجدة مع العرب جميعا يمكن ان تنظر في الملف الفلسطيني الذي يكون جرد من حاضنته العربية وجردت قضيته من مركزيتها التي هي احد اهم مصادر قوتها.
مبادرة الاعتدال العربي لم تجد اليد الأخرى التي تصفق معها، فالإسرائيليون اداروا ظهرهم لها واعتبروها مجرد عمل دعائي، والامريكيون اعتبروها إشارة عامة لا يبنى عليها، اما أصحابها العرب فقد جعلوها مجرد ورقة مطروحة على الطاولة في انتظار إسرائيل كي تلتقطها وتتعامل معها.
منذ صدور المبادرة العربية والى يومنا هذا جرت احداث عربية وإقليمية ودولية جعلت من تقديمها كسياسة عربية موحدة امرا غير واقعي، فضلا عن اختراقها من قبل دول عربية تجاوزتها كشرط للتطبيع مع الدولة العبرية، وكان ان تراكم الغبار عليها ولم تعد صالحة للتداول، ذلك انها اهملت حين كانت شرطا عربيا جماعيا فلمَ لا تلغى بعد ان انقسم العرب عليها.
لا جدال في ان إسرائيل هي الطرف الأساسي في الغاء فاعلية المبادرة، ولا جدال كذلك في ان العراب الأمريكي المتأثر دوما بالموقف الإسرائيلي لم ينظر اليها بجدية، لم يتبناها ولم يبن سياسة عليها.
ثم لا جدال في ان أصحابها اكتفوا بإعلانها دون بذل جهد كاف لتسويقها وادخالها في معادلة التسوية كرقم فاعل، كل ذلك ادخل الاعتدال العربي كمبدأ وسياسة وسلوك في مأزق بالغ التعقيد فضلا عن ان انقساما حدث داخل معسكره بين من يرى التطبيع وسيلة لتحقيق تسوية فلسطينية إسرائيلية ومن لا يزال يرى التطبيع قبل التسوية بمثابة وضع العربة امام الحصان، ومن دون تقدم جدي على المسار الفلسطيني الإسرائيلي فالتطبيع يضر اكثر مما ينفع.
العراب الأمريكي يلقي بثقله وراء فكرة بل ومشروع التطبيع وفق صيغة ابراهام، ويعمل بدأب على توسيع دائرته وتوثيق العلاقات بين اطرافه أي مع إسرائيل في الأساس بينما يرى المطبعون القدامى والجدد ان التسوية المنطقية التي يمكن ان تعيش هي تلك التي يتوصل اليها الفلسطينيون والإسرائيليون.
غير ان الحكومة الجديدة في إسرائيل ووالممالأة الامريكية لها اشعلت ضوءا احمر واقامت حواجز إضافية شديدة الارتفاع في وجه الاعتدال قديمه وحديثه.
والاهم هنا هو المثلث المتقدم جغرافيا وسياسيا واستراتيجيا فلسطين والأردن ومصر، ولكل ضلع من اضلاع هذا المثلث ما يشكو منه بصوت مرتفع تجاه إسرائيل وبصوت عاتب تجاه أمريكا، فإسرائيل نتنياهو غير متوازنة البتة في علاقاتها مع الأردن والنقطة دائمة السخونة هي المقدسات الواقعة تحت المسؤولية الأردنية، وليس للاردن هذه النقطة فقط فلها المصلحة التي تتماثل مع مصلحة الفلسطينيين في انهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ان كل الإشارات الصادرة عن إسرائيل نتنياهو تعد بمزيد من الاستفزاز والتوتر.
ومصر التي هي الرائد الأول للاعتدال وصاحبة المصلحة في انجاحه ببلوغ تسوية أساسها الحقوق الفلسطينية تلمس ابتعادا إسرائيليا متماديا عن هذا الهدف كما ترى اشعالا مقصودا للنيران من قبل إسرائيل.
وبالنسبة لمصر فان فلسطين والأردن ليسا مجرد كيانين مجاورين بل هما اعمق من ذلك بكثير.
لقاء القاهرة الثلاثي لا يعبر فقط عن قلق مشترك ومبرر وانما عن حاجة تزداد الحاحا لتحرك عربي أوسع نطاقا يحاصر الغزو الإسرائيلي المنهجي والمتسارع لمبدأ الاعتدال، ويثبت لنتنياهو استحالة الإذعان لجنوحه وجنونه، ويقول للأمريكيين ان الوضع اكثر خطورة مما ترون، والامر والحالة هذه يحتاج لأعلى واهم وافعل بكثير من جهد ما دون الحد الأدنى الذي يمارس الان.