خطوة ذكية حكيمة قامت بها حركة حماس، بإطلاق فيلم تسجيلي للأسير الإسرائيلي منغستو المحتجز لديها من عدة سنوات، وقد حققت بخطوتها عدة أهداف، كما يقال صادت عدة عصافير بطلقة، بضربة واحدة:
أولاً: كذّبت الإعلام العبري وجهاز الاستخبارات العسكرية أمان، التي ادعت معلوماتها أن الأسير يعاني من أمراض صحية ونفسية، فظهر تماسكه وصحته انعكاساً لرعايته من قبل حركة حماس، رغم الحجز والضيق، وذكّر برفاقه الآخرين أن ظروفهم مستقرة بالأسر.
ثانياً: اختارت وقتاً مناسباً لمداهمة المشهد السياسي الإسرائيلي المضطرب، حيث انقسام اليمين الإسرائيلي ما بين حكومة الائتلاف المتطرفة والمعارضة اليمينية، على أثر انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وتشكيل الحكومة الجديدة، وتعيين رئيس أركان جديد لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
ثالثاً: أعادتْ قضية الأسرى الإسرائيليين المتروكة منذ سنوات إلى واجهة الأحداث، وأبرزت الخلل والإهمال لدى المؤسستين السياسية والعسكرية، نحو الجنود الأسرى، وتركهم، وعدم الاهتمام بهم، خاصة أن أغلبيتهم من الشرقيين وليسوا من الاشكناز المحظيين، وإبرازها مع بداية تشكيل الحكومة، قد تدفع قرار الحكومة للاهتمام المتزايد نحو العمل وقبول تبادل الأسرى مع حركة حماس، وإظهارها بالقدرة على الحسم واتخاذ القرارات والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الأربعة المحتجزين في قطاع غزة.
أما الإنجاز الذي تتوسله حركة حماس فلسطينياً، لا يقل أهمية بالنسبة لها عن تحقيق هدفها الإسرائيلي، فهي تظهر أنها لاعب أساسي في الوضع الفلسطيني، صاحبة قرار، شريك من موقع القوة والاقتدار لسلطة صنع القرار الفلسطيني، وطنياً وإقليمياً، وهو ما تسعى له وتأمله بهدف شرعنة حضورها اعتماداً على عدة عوامل أولها: دورها القيادي في تقديم التضحيات من قبل أبرز قادتها، نتيجة توجيهها ضربات موجعة لأدوات وأجهزة ومؤسسات المستعمرة.
ثانياً: نجاحها البارز في آخر انتخابات تشريعية عام 2006، حققت من خلالها الفوز وإدارة حكومة السلطة والمجلس التشريعي.
ثالثاً: أثبتت التزامها الصارم بتفاهمات وقف إطلاق النار بوسطات مصرية وقطرية وتركية، وبالتالي حققت مصداقية لنفسها، وعلى قدرة الالتزام، بما يخدم مصلحتها ودورها.
لقد سبق وأن خسرت حماس مكانتها المعنوية بفعل الانقلاب الدموي الذي قامت به في 2007، الذي أطلقت عليه "الحسم العسكري"، وهي تعمل لتحسين صورتها، لتكون شريكا مقتدرا، وتسعى من خلال إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين لتعيد نفسها إلى موقع التقدير الذي تأمله وتسعى إليه، مثلما تسعى كي تكون أكثر قبولاً وتوافقاً مع المناخ السياسي السائد في المنطقة، وإسقاط تهم الإرهاب اللصيقة، هذا الالتزام الذي فرض عليها بسبب تفاهمات التهدئة أن لا تتدخل لأكثر من مرة في مواجهة قوات الاحتلال وخاصة في شهر آب 2022 حينما اغتال جيش الاحتلال قيادات حركة الجهاد الإسلامي البارزة في قطاع غزة.
تقرير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أمان ملفت للمراقبين حيث أفرد لها مكانة وحضوراً، وقد تكون مبادرتها لإطلاق فيلم الأسير منغستو، سبباً ودافعاً قوياً لها، إضافة إلى الدوافع الأخرى لتسريع ما قامت به.
نجحت حركة حماس باختيار المضمون والتوقيت، وستفوز بما سعت إليه، وما تتوصل تحقيقه.