بعد قُدرة نتنياهو على تشكيل حكومته والتي امتلأت بالكثير من التناقضات إبان المفاوضات الائتلافية التي أظهرت أن كل حزب يعمل لمصالحه دون النظر في تبعات تغيير الواقع السياسي في إسرائيل، بات من المؤكد أن وجهة إسرائيل الجديدة هو بتغيير وجه إسرائيل والاستمرار نحو انزياح الشارع الإسرائيلي نحو اليمين الأكثر تطرُف.
صحيح أن هناك تناقضات سياسية ظهرت بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بسبب سعي نتنياهو والأطراف المتحالفة معه نحو تغيير قوانين أساس في دولة إسرائيل إلا أن هذا الأمر تم معارضته من قبل المحكمة العليا برفض تعيين درعي في مناصب وزارية نظراً لعدم معقولية تعيينه بسبب اتهامه بقضايا فساد عديدة، إلا أن حكومة نتنياهو ستواجه الاحتجاجات الداخلية نحو تغيير النظام الاجتماعي الحالي تدريجياً من خلال اخضاع الجمهور العلماني لنمط حياة المتدينين، حتى لا يتم حل الحكومة الحالية والتوجه إلى انتخابات جديدة.
لذلك قام نتنياهو وشركاؤه في تغيير الواقع الاجتماعي في إسرائيل من خلال سيطرة الأحزاب الدينية والحريدية على أكبر عدد ممكن من مجالات المجتمع الإسرائيلي، والعمل تدريجياً على انزياح الجمهور العلماني نحو تعزيز النسخة الأرثوذكسية للهوية اليهودية، لذا تم تكليف أوريت ستروك وزيرة المهام الوطنية بوضع برنامج اجتماعي لتعميق الهوية الدينية وذلك بالبدء من الأسرة والتعليم في المدارس، لذا تم وضع ميزانية 700 مليون دولار على المدى القريب وسن قوانين أساسية لتدريس شريعة التوراة وشريعة الملك العبرية باعتبار أن الدراسة الدينية هي نظرة مستقبلية قيمية ثابتة في تراث الشعب اليهودي لذا سيتم ازدياد قيمة تمويل التعليم الديني الحريدي، وستحصل المؤسسات ذات الطابع الأرثوذكسي المسؤولة عن الخدمات الدينية على نحو 141.3 مليون دولار، ناهيك عن توسع صلاحيات الحاخامية في كل المجالات ذات التأثير على تغيير الطابع الاجتماعي للمجتمع الإسرائيلي.
فاذا نجحت سياسة الائتلاف الحالي في اخضاع العلماني نحو التوجه إلى النمط الحريدي فان حكومة نتنياهو سيطول عمرها أما اذا واجهت معارضة جديدة فان حكومته ستُعرِض المجتمع الإسرائيلي إلى حالة من الانقسام والتفكك الداخلي ناهيك عن استمرار الهجرة المعاكسة من دولة إسرائيل إلى الرجوع إلى بلدانهم وان حاول نتنياهو جلب آخرين يؤمنون بالوجهة الجديدة إلا أن حال الانقسام الداخلي ستستمر نظراً للصدامات التي ستنشأ من أعضاء حكومة نتنياهو بالتحديد سموتريتش ووزير الدفاع الجديد لتناقض المهام التي ستحدث داخل الجيش الإسرائيلي من شأنها أن تعمل على تغيير وجهته الحالية، وبين بن غفير والجيش نظراً أن وحدات حرس الحدود في الضفة الغربية أصبحت ضمن أنشطة وزير الأمن القومي.
رغم التناقضات السياسية في الواقع الإسرائيلي إلا أن اتفاق الحكومة الائتلافية والمعارضة يتوحدون على أكثر من اتجاه من ضمنها توسيع الاستيطان وتسريع ضم الضفة الغربية وتهجير قدر المستطاع من الفلسطينيين سواء قسراً او طوعاً ومن تبقى سيتم حرمانه من الحقوق السياسية. وعملية توسيع الاستيطان يأتي بضوء اخضر من أمريكا رغم تناقض بياناتها في دعمها لحل الدولتين، والدليل يوم أمس تم خروج بيان من البيت الأبيض يدعم عملية السلام وذات الوقت تم بناء بؤرة استيطانية قرب مستوطنة " مغداليم" بنابلس خلال ليلة أمس وهذا دليل أن أمريكا لا تدعم الفلسطيني إلا من خلال اعطاء امتيازات بسيطة مثل الجيل الرابع ودعم مستشفيات القدس.
وكما سيستمر نتنياهو في تجميد عملية السلام بالتحديد أن بن غفير وسموتريتش ضد إقامة دولة فلسطينية وهي إشارة أن فرص استئناف المفاوضات من أجل حل الدولتين في المدى القريب ضعيف جدا، وسياسة الحكومة الحالية ستُضعف السلطة الفلسطينية مما يخلق مشاكل في فرض النظام على الأرض، ناهيك عن التغيرات في الوضع الراهن في القدس.
هذه الإجراءات ستُشعل الوضع الامني في الضفة الغربية بتوسيع قاعدة الفلسطينيين المشاركين بالعمليات الفدائية ضد الاحتلال وازديادها في بقع الأكثر مقاومة في نابلس وجنين مقابل خلق مهام جديدة لجيش الاحتلال في توزيع قواته الاحتياطية في الضفة الغربية بدل وجود السلطة للسيطرة على الأوضاع الامنية في الضفة.
فلا أفق سياسي مستقبلي أمام قناعة الرأي العام الإسرائيلي وقادة اليمين خاصة الليكود وهي ضرورة الابتعاد عن حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والاكتفاء بإدارته حتى تتغير بيئة الصراع الحالي ضمن المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية ومحاولة اليمين الحالي افساد أي مفاوضات مع اتباع سياسة أكثر صرامة ليس فقط ضد بؤر المقاومة وحتى المتعاطفين مع هذا الموقف من خلال العقوبات الفردية سواء بالاعتقال أو الاغتيال أو الطرد وسحب الجنسيات الإسرائيلية إذا كان المتعاطف من عرب الداخل.
سينشغل نتانياهو حالياً بتوسيع اتفاقيات السلام ابراهام وهذا مرهون بعدم تدهور الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو اندلاع عنف واسعة النطاق خلال عام 2023 وهذا ما تم الاتفاق عليه بين الجانب الإسرائيلي والجانب الأمريكي بإدارة الصراع إلى حين استكمال المشروع الإبراهيمي في منطقة الشرق الاوسط.