- هآرتس: مقتل 27 ضابطا وجنديا إسرائيليا في شمال قطاع غزة منذ بدء العملية البرية الأخيرة في جباليا
معين بسيسو هرم ينظر إليه من كل الجهات، تنتج إنسانا مميزا ومقاتلا قوي الشكيمة وشاعرا تشتعل كلماته بالنار.
عرفته عن قرب في واحدة من أهم مراحل حياتنا الكفاحية الفلسطينية وهي مرحلة بيروت، كان معين أحد توائم ثلاثة جسدت علامة فارقة كوشم لا يزول طبع على وجه الظاهرة الفلسطينية.
معين الغزي الفلسطيني العربي الأممي، ومحمود درويش الطائر الذي انتقل من الجليل الأخضر ليحط في قلب الخطر، وماجد أبو شرار الذي نصفه غزي ونصفه الآخر خليلي وكله فلسطيني، والثلاثة جمعتهم الكلمة والغربة والحلم والثورة.
معين... أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في السلاح.
ودرويش.. عيونك شوكة في القلب توجعني وأعبدها.
وماجد الذي مزقت جسده قذيفة وضعت تحت سريره في روما، قبل أن يكمل حكاياته المذهلة في الخبز المر.
غير أن لمعين إيقاعا مختلفا ميز شخصيته وسلوكه وشعره، كان الرجل ذو القامة المستقيمة كرمح والوجه الجميل المعبر الذي تنطق ملامحه بإشارات لا تقل بلاغة عن شعره ونثره، صاحب حضور مهيمن وشيق، لم يكن ليجاريه أحد في سرده لذكريات غزة التي قاد وهو الشيوعي مقاومتها الشرسة للتوطين مع زميله الإخواني فتحي البلعاوي "ما أحوجنا لشيء كهذا".
وسنوات سجنه في أكثر من مكان حين كان يهرب قصائده النارية على قصاصات صغيرة من ورق، وحين حمل فلسطين وهمها الثقيل معه إلى موسكو لينتج من هناك بعض أفضل ما كتب شعرا ونثرا ومسرحا.
محظوظون أولئك الذين عرفوه عن قرب ومن عاداته أنه كان قبل أن يشدو بقصيدة أو يرسل ديوانا إلى المطبعة، أن يقرأ كل بيت جادت به قريحته على شبكة واسعة من الكتاب والنقاد وزملائه الشعراء وأصدقائه الحزبيين والسياسيين، مصريين ولبنانيين وعراقيين وفلسطينيين، وغيرهم من مختلف الجنسيات الذين وحدهم حبهم للرجل المناضل والشاعر.
وأنا شخصيا سعدت بأن كنت واحدا ممن قرأ عليهم قصيدته الجميلة "القصيدة" وفيها الصورة الأخاذة "مطر على الشباك في لون البنفسج والخزامى".
وكم تشوقنا جميعا لنسمعها منه كاملة ولنقرأها مطبوعة دون أن يخطر ببالنا أنها قصيدة وداعية بعدها بقليل فارقنا وفارق الحياة.
توقف قلب معين المتعب والمثقل بهموم الغربة ووجع الوطن البعيد والممنوع.
كان نائما في غرفته الصغير بالفندق، وكان قدعلق على الباب ملاحظة "رجاء عدم الإزعاج".
جرت محاولات كي يدفن في أرض الوطن تحت رمال غزة الناعمة، وعلى حافة بحرها الأزرق وإلى جوار من شاركوه المعارك وسنوات الاعتقال، وبين الأحياء الذين أحبوه إنسانا منهم شديد الشبه بهم، كتب وقرأ شعره ونثره من داخل قلوبهم وبألسنتهم، لم تكن أبياته ومسرحياته ونثرياته مجرد كلمات بل كانت من دم ونبض، لذا بقيت وستبقى خالدة بخلود عطائه وإبداعه.