- وكالة الأنباء اللبنانية: قصف مدفعي إسرائيلي عنيف يستهدف وسط بلدة الرمادية في قضاء صور
كثيرة ومتشعبة هي الخلافات التي تعصف بنظام الحكم في إسرائيل بعد الاول من نوفمبر عام 2022 في ضوء عودة بنيامين نتنياهو الى الحكم محمولا على موجة عالية من التطرف المنفلت من عقاله ومساومات انتهت الى اتفاقيات ائتلافية مع الاحزاب الحريدية ومع المعسكر الفاشي بزعامة بتسلئيل وبن غفير.
خلافات حول موقع الجيش في منظومة الحكم ودوره في توفير الظروف المناسبة لمواصلة سياسة السطو اللصوصي على اراضي الفلسطينيين وأملاكهم في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وأخرى تتصل بالتربية والتعليم وثالثة تتصل بالتشريع وتبييض ملفات فساد المسؤولين في الدولة وفي مقمتهم بنيامين نتنياهو نفسه وأريه درعي ورابعة تتصل بنظام القضاء وصلاحيات المحكمة العليا بشكل خاص والمحاكم على اختلافها بشكل عام ، والتي تحولت الى بؤرة تركيز هذه الخلافات ودفعت قوى المعارضة الصهيونية الى النزول الى الشارع في معارضة الحكومة السادسة لبنيامين نتنياهو ، خاصة بعد ان اعلن وزير القضاء ياريف ليفين خطته لإصلاح هذا النظام .
خطة وزير القضاء، ياريف ليفين ، لما يسمى إصلاح جهاز القضاء في إسرائيل على مراحل هي خطة منسقة مع بنيامين نتنياهو هدفها الوصول الى تغييرات واسعة في عمل جهاز القضاء من شأنها أن تخل بالتوازن بين السلطات في النظام السياسي الإسرائيلي وتنعكس بآثار واضحة ليس فقط على تحرر الحكومة والكنيست من رقابة السلطة القضائية والتحايل على ملفات الفساد ،
بل وعلى هوية الدولة وحقوق الانسان وذلك من خلال تشريعات وقوانين تقيد صلاحيات السلطة القضائية ، كقانون التغلب على المحكمة العليا وقانون المعقولية ، الذي يجري تفصيله على مقاس أرييه درعي واختيار قضاة المحكمة على مختلف المستويات المفصل على مقاس بنيامين نتنياهو ومكانة المستشارين القضائيين في الوزارات الحكومية لجهة تسييسها وتحويلهم الى امتداد للسلطة التنفيذية وتابعين لها ، وغير ذلك من التغييرات ، التي تشل يد السلطة القضائية وتنظم مكانة القوانين في إسرائيل وقدرة المحكمة العليا على إلغائها ، فضلا عن تقليص حق المواطنين كأفراد أو كجمعيات بالتوجه للمحكمة العليا لتقديم التماس ضد القرارات الحكومية ،
وذلك عبر سن تشريع من شأنه أن يحد من حق الوصول إلى المحاكم ومن فرص تقديم الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التماسات ضد قرارات الدولة وغير ذلك من تغييرات تمس دور وصلاحيات دور المستشار القضائي للحكومة بحيث يصبح ممكنا سحب لوائح الاتهام الموجهة ضد مسؤولين في الحكومة او حتى ضد رئيسها كما هو الحال في لوائح الاتهام الموجهة ضد بنيامين نتنياهو ، وبحيث يصبح ممكنا كذلك تقييد حق الفلسطينيين في التوجه الى المحاكم عبر جمعيات إسرائيلية مناهضة للاحتلال والاستيطان لحماية حقوقهم من عمليات السطو اللصوصي على اراضيهم وممتلكاتهم ، رغم معرفتهم بأن جهاز القضاء في إسرائيل جزء لا يتجزأ من منظومة الاحتلال .
يلفت الانتباه هنا أن هذه التغييرات التي يراها وزير القضاء ياريف ضرورية ، مدعوما في ذلك بشكل مطلق من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، لا تقتصر الخلافات بشأنها على دولة الاحتلال في حدود حزيران 1967 ولا تقتصر آثارها على تلك الحدود بل تتجاوزها لتغطي كذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 . فالمستشار القانوني فيما تسميه دولة الاحتلال " مناطق يهودا والسامرة " عمل دائماً كما يعتقد حكام تل أبيب على توفير شرعية قانونية لسرقة أراضي الفلسطينيين دون الحاجة لتعيين وزير مدني مسؤول عن ذلك في وزارة الدفاع مثل بتسلئيل سموتريتش، فرجال وزارة الأمن والداخلية والشاباك هم الذين وضعوا البنية التحتية السياسية والإدارية والقانونية التي تستخدمها إسرائيل في سلب اراضي الفلسطينيين وهؤلاء جميعا تغطيهم قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية وغيرها من المحاكم الإسرائيلية ذات الاختصاص. وقد قامت المحكمة العليا بتنفيذ دورها بإخلاص فهي التي تشرعن مشروع نهب أراضي الفلسطينيين وتغطي على جرائم قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين، وهي التي تقوم بما هو اوسع وأوسخ من ذلك. فعلى حد تعبير الياكيم روبنشتاين، المستشار القانوني السابق للحكومة وقاضي المحكمة العليا، لعبت المحكمة دور الدرع ، الذي يحمين دولة إسرائيل من لاهاي وإضعاف هذه المحكمة في نظره هو إضعاف إسرائيل أمام لاهاي أي أمام المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من لاهاي ( هولندا ) مقرا لها . هذه المحكمة العليا تخرج عن دورها لتصبح جزءا من منظومة الاحتلال والاستيطان والجريمة عندما يتصل الامر بالفلسطينيين تحت الاحتلال، فوظيفتها هنا ليس الدفاع عن حقوق الإنسان، بل الدفاع عن إسرائيليين من المساءلة عن المس بحقوق الإنسان للفلسطينيين. ومن أجل أن تتمكن إسرائيل من مواصلة ذلك الدور كدرع يقيها من تدخل العالم يجب وفق روبنشتاين الحفاظ على استقلاليتها وعدم إضعاف دورها ، فهي التي تغطي على شرعنة الاستيطان وعلى إطلاق النار وقتل المتظاهرين الفلسطينيين ، وسرقة أراضيهم وهدم بيوتهم وكل ما يحتاجه نظام التفوق اليهودي والتمييز والفصل العنصري .
قوى المعارضة الصهيونية لحكومة نتنياهو السادسة في مظاهراتها الاحتجاجية لا تقيم وزنا لما جاء في الاتفاقيات الائتلافية التي تشكلت على أساسها هذه الحكومة . ففي الاتفاقيات الائتلافية وافق نتنياهو على شرعنة “بؤر استيطانية غير قانونية” في الضفة الغربية في غضون شهرين من أداء الحكومة الجديدة اليمين القانونية، كجزء من اتفاق أبرم مع حزب الصهيونية الدينية، كما وافق على تنفيذ خطة لنقل السلطة على “الحياة المدنية الإسرائيلية” في “مناطق ج” من الضفة الغربية التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي من الإدارة المدنية إلى الوزارات الإسرائيلية ذات الصلة .
فقد جاء في برنامج الحكومة تأكيد على ان لشعب إسرائيل حق طبيعي على ارض إسرائيل بما في ذلك الضفة الغربية وان الاستيطان سوف يتواصل في ما تسميه الحكومة ( يهودا والسامرة ) فضلا عن النقب والجليل وبأن رئيس الحكومة سوف يقوم ببلورة وتطوير سياسات معينة يتم بموجبها فرض السيادة عليها مع اختيار الوقت المناسب والاخذ بالاعتبار الحسابات القومية والديبلوماسية للدولة هذا الى جانب تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية وفقا للإشارات التي قدمتها المحكمة العليا لتنظيم الاستيطان الصغير ( البؤر الاستيطانية ) وذلك في غضون 60 يوما وبما يشمل وصلها بالبنى التحتية كالمياه والكهرباء والخدمات العامة الضرورية وغيرها من البنى التحتية الأساسية ، وبأن الحكومة سوف تتخذ القرارات المناسبة بشأن تنظيم الأحياء في المستوطنات وملاحقها من بؤر استيطانية ،
إما بتحويلها الى أحياء في مستوطنات قائمة أو اعتمادها كمستوطنات جديدة وتخصيص الموازنات الضرورية لذلك في إطار خطة لخمس سنوات لتطوير وتعزيز الاستيطان تضعها وزارة المهمات القومية ومديرية الاستيطان في الإدارة المدنية. كما اتفق نتنياهو مع رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش على رصد ميزانية بمبلغ 8 مليارات شيكل بهدف توسيع الشوارع التي يستخدمها المستوطنون في الضفة الغربية، ما يهدّد بمصادرة أراض فلسطينية. ويأتي هذا الاتفاق في ظل مخطط الحكومة الجديدة لتوسيع الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين، وزيادة عدد المركبات التي تسير في شوارع الضفة. وبين أهداف المخطط مضاعفة حجم شارع رقم 60 الذي يمر من شمال الضفة إلى جنوبها، ومضاعفة حجم شارع رقم 55 الذي يمر في عرض الضفة في اتجاه الأغوار.
كما تخطط دولة الاحتلال لشق شوارع من الكتلة الاستيطانية “غوش عتصيون” في منطقة بيت لحم في اتجاه الغرب نحو مدينة بيت شيمش شمال غربي القدس، وفي اتجاه الشرق نحو منطقة البحر الميت. كما تم الاتفاق بين نتنياهو وحزبي " قوة يهودية " و" الصهيونية الدينية " على تعديل قانون الانفصال من العام 2005 للسماح بشرعنة مدرسة دينية في موقع مستوطنة حومش السابقة. وكانت حومش واحدة من أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية أخلتها إسرائيل كجزء من تنفيذها لخطة الانفصال التي أدت إلى انسحابها من قطاع غزة.
السؤال هنا: هل يمكن المراهنة على هذه الاحتجاجات والمظاهرات في تصويب العلاقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. في تقديري أن ذلك وهم، فمظاهرات الاحتجاج يتم تنسيقها بين الاحزاب الصهيونية المعارضة لحكومة بنيامين نتنياهو وتجري تحت مظلة “منتدى الكفاح من أجل طابع الدولة” الذي أنشأه رئيس تحالف "المعسكر الرسمي" بيني غانتس. في هذا المنتدى يشارك مندوبون من أحزاب "يوجد مستقبل " و"المعسكر الرسمي" والعمل وميرتس وتعهدوا بتشكيل جبهة موحدة ضد الهجمات على جهاز القضاء، ونظام التربية والتعليم، والجيش، والتشريعات. أما معارضة سياسة الحكومة بشأن الاحتلال والاستيطان في أراضي 1967، وكل ما يتعلق بالاستيلاء على الأرض والضم،
فهي غير ذي صلة وإذا هي دخلت المشهد فمن بوابة قوى هامشية كحزب ميريتس او منظمات وجمعيات مجتمع مدني بأحد دافعين، الأول عدم تأليب الرأي العام في العالم على إسرائيل في ضوء حراك دولي لإدانة الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي، الذي بدأ يدق أبواب محكمة العدل الدولية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والثاني بدافع التحذير من احتمال دفن ما يسمى بـ "حلّ الدولتين" للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وما قد يترتب على ذلك من مخاطر على الطابع الديموغرافي لإسرائيل كدولة لليهود . كلا الدافعين لا علاقة له بحقوق الانسان وحقوق الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ولا علاقة له بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والقيم الإنسانية، بل بأيدولوجية مقيته تقيس كل شيء بمقياس التفوق اليهودي ومقياس الحفاظ على إسرائيل دولة يهودية وحسب.