- وكالة الأنباء اللبنانية: قصف مدفعي إسرائيلي عنيف يستهدف وسط بلدة الرمادية في قضاء صور
يواصل عدّاد الأرقام في الارتفاع بالغاً ثلاثين شهيداً وشهيدة في شهر واحد، وأمّا الجرحى فيبلغون أضعاف هذا العدد، والمعتقلون أكثر، وأمّا البيوت المنسوفة مع التي ستُنسف فلا حصر لعددها بعدما أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنّها ستُزيل الأبنية التي تصفها بالمخالِفة في المنطقة "ج" والتي تزيد مساحتها عن نصف مساحة الضفّة الغربية.
الحرب الشرسة على جنين ومخيّمها
إنّها حرب شرسة. محورها هو جنين إحدى أصغر المدن الفلسطينية ومخيّمها، اللذين لا يتجاوز محيطهما ستة آلاف كيلومتر مربّع. لا تتعرّض لمداهمات متقطّعة لدوافع أمنيّة كما تقول الرواية الإسرائيلية، بل لحرب حقيقية تشارك فيها كلّ تشكيلات الجيش والأمن، وما أكثرها في إسرائيل، ومن ضمنها الطائرات الحربية التي يدير منها الجنرالات حربهم من خلال توجيه سائر القوات العاملة على الأرض وتحديد أهدافها.
المدينة والمخيّم منطقة ضيّقة مكتظّة بالناس وبالمقاتلين المدافعين عنها، ولا سلاح لديهم سوى البنادق والمسدّسات والعبوّات البدائية، ولذلك يرتفع عدد الشهداء والشهيدات من مختلف الأعمار على نحو مطّرد.
الآلة العسكرية الإسرائيلية المتّهمة والمُدانة حتى من أصدقائها، وبقرارات مباشرة من الأمم المتحدة، تُرسلها القيادة السياسيّة الإسرائيليّة لتبدو كما لو أنّها تؤدّي مهمّة مستمرّة منذ عقودٍ متّصلة
الآلة العسكرية الإسرائيلية المتّهمة والمُدانة حتى من أصدقائها، وبقرارات مباشرة من الأمم المتحدة، تُرسلها القيادة السياسيّة الإسرائيليّة لتبدو كما لو أنّها تؤدّي مهمّة مستمرّة منذ عقودٍ متّصلة. لقد بدأت هذه المهمّة منذ الأيام الأولى للاحتلال، وما تزال مقبرة شهداء الجيش العراقي في عام "1948" على مدخل مدينة جنين أبرز الشواهد التي لا تمحى وستتواصل حتى اليوم الأخير للاحتلال الذي لا بدّ أن يأتي.
الحرب المعضلة
ما أقوله ليس كلاماً إنشائياً أو حماسياً، فهو الأكثر واقعية وصدقية، بل إنّ كثيرين من الإسرائيليين يقولون أكثر منه ليس لدوافع إنسانية أو أخلاقية، بل لأنّها حرب احتلال غير شرعي مع شعب يعدّ بالملايين على أرضه ومن حولها، ولا إجماع لديه أكثر وأعمق من إجماعه على رفض الاحتلال واجتراح الوسائل الفعّالة لمقاومته.
المشهد إذا ما قُرئ ببساطة يشي بمأساة دائمة ابتُلي بها الفلسطينيون بفعل نزف دمهم الذي لا يتوقّف، واتّساع الدمار في ممتلكاتهم وشراسة الحصار الذي يطوّق كلّ مجالات حياتهم. أمّا إذا ما قُرئ بتعمّق، فإنّ الحرب الإسرائيلية الدائمة على الفلسطينيين تُظهر أنّ الإسرائيليين ليسوا أقلّ تضرّراً ولا أكثر راحة واطمئناناً، فإلى جانب الصداع الدائم الذي يصيب رؤوسهم بفعل تضامن الفلسطينيين حَمَلة الهويّة الإسرائيلية وراء الخطّ الأخضر مع أشقّائهم في الضفّة والقطاع والقدس، هناك الصداع الذي لا مسكّن له بفعل تنامي نفوذ المستوطنين والعنصريين داخل مؤسّسات قرارهم، وهو الذين يرون أنّ حلّ ضائقة السكن في المدن الإسرائيلية لا يتمّ إلا بالاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى لجوئهم إلى السلاح الذي ارتفع الإقبال على شرائه بنسبة تزيد على ستمئة في المئة وفق معلوماتهم، ومراوحتهم بين معركة في غزّة وأخرى في القدس، وثالثة في الضفّة، وحتى في النقب والوسط والشمال.
كلّ ذلك لم يجعل من الاحتلال وما يفرز من تداعيات على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي كارثة على الفلسطينيين وحدهم، بل وعلى أصحابه ورعاته.
تبدو حرب كهذه معضلة لا يحلّها التفوّق العسكري والاقتصادي والسياسي الإسرائيلي الذي يوازن ألف مرّة ما لدى الفلسطينيين، بل لها حلّ واحد هو زوال الاحتلال، فلسنا بصدد جيشين متقابلين يهزم أو ينتصر الأقوى على الأضعف، بل بصدد شعب يعدّ بالملايين وسلاحه الأمضى استحالة رضوخه واستسلامه أمام جيش وكيان حارباهم ثلاثة أرباع القرن ولم يصلا إلى نتيجة ولن يصلا.