- وكالة الأنباء اللبنانية: قصف مدفعي إسرائيلي عنيف يستهدف وسط بلدة الرمادية في قضاء صور
يشير سلوك "الجيش" الإسرائيلي في مجزرة جنين، إلى أن هناك قراراً بزيادة وتيرة استراتيجية "كاسر الأمواج"، التي ينتهجها "الجيش" الإسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، من خلال استهداف المدنيين، وزيادة عدد الضحايا والدمار، للضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة داخل المخيم، وليس فقط الضغط على كتيبة جنين وحدها، الأمر الذي تلاقت حوله مصالح كل من المستويين السياسي والعسكري في "دولة" الاحتلال.
تعدّ مجزرة جنين أول عملية عسكرية واسعة النطاق في عهد الحكومة السادسة لبنيامين نتنياهو وشركائه من "الصهيونية الدينية"، بل أول اختبار لجدية الحكومة الإسرائيلية الجديدة في تنفيذ أجندتها السياسية والأمنية، تجاه تعاظم قوة المقاومة الفلسطينية في منطقة شمال الضفة الغربية، وخاصة مخيم جنين وكتيبته التابعة لسرايا القدس، إذ بشّر كل من نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سيموتريتش جمهورهم من المستوطنين الصهاينة في فترة الانتخابات، أنهم قادرون على فرض الهدوء في الضفة الغربية، وإنهاء المقاومة هناك، الأمر الذي سيفتح الباب واسعاً أمام مخططاتهم الاستيطانية والتهويدية وصولاً إلى ضم الضفة الغربية.
أضف إلى ذلك، أن التظاهرات ضد الحكومة الإسرائيلية تزيد من ضرورة سيناريو تصدير أزماتها الداخلية في اتجاه الخارج الفلسطيني، وخاصة مع غزة، فكلما ارتفعت أصوات القنابل خفتت أصوات المتظاهرين داخلياً، لذلك كانت أعين "الجيش" الإسرائيلي تتجه نحو غزة وتعزز من منظومات القبة الحديدية حولها، وتحصن غلافها ومدنها، لتوقّعها استمرار المقاومة في غزة، وخاصة حركة "الجهاد الإسلامي" والحفاظ على استراتيجية وحدة الساحات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
إن عدم دخول غزة المعركة يعني عودة سياسة نتنياهو باحتوائها مجدداً، ولكن المقاومة في غزة، في إطار تقييمها العام للأوضاع في الضفة الغربية والقدس، اختارت أن ترسل رسالة سياسية إلى الإسرائيلي من خلال صاروخين أطلقا على مدينة عسقلان، مفادها أن غزة ملتزمة بوحدة الساحات من جهة، ولكنها لن تمنح الإسرائيلي فرصة اختيار توقيت المعركة وتحديد عنوانها السياسي، من جهة أخرى، كونها تدرك أن الأيام القادمة، وخاصة في شهر رمضان، ستحمل في طياتها معركة عنوانها الكبير القدس والمسجد الأقصى، يجب أن تكون حاضرة ومستعدة لها بقوة.
تجدر الإشارة إلى أن مجزرة جنين هي أول عملية يشرف عليها رئيس أركان "الجيش" الإسرائيلي الجديد هرتسي هليفي، ووزير الحرب الإسرائيلي يوؤاف غالنت، اللذان أرادا تقديم أوراقهما من خلال مجزرة جنين، الأمر الذي اتضح من حجم الدعاية الإعلامية الإسرائيلية التي رافقت مجزرة جنين.
في ظل زحمة الحسابات الإسرائيلية، يأتي الشاب الفلسطيني خيري علقم، ابن مخيم شعفاط، حاملاً مسدسه ليطلق رصاصاته على مجموعات المستوطنين في منطقة النبي يعقوب في شمال القدس، ويستمر بإطلاق النار لمدة ثلث ساعة حسب شهود العيان، معلناً فشل المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين في أول اختبار لهما مع الملف الفلسطيني، وليثبت للجميع أن هناك متغيرات حقيقية صنعتها المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية أهمها:
أولاً، المقاومة الفلسطينية لم تعد مقتصرة على الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية وحسب، بل اتسعت لتضم فئات واسعة من الشباب الفلسطيني غير المنتمي إلى التنظيمات الفلسطينية، وبالتالي تحولت المقاومة من فكرة مرتبطة بفعل منظم داخل إطار تنظيمي محدد إلى فكرة وطنية، وثقافة عامة فوق حزبية، الأمر الذي انعكس على نوعية منفذي العمليات الفدائية المنتمين إلى شرائح مجتمعية واقتصادية وثقافية وجهوية مختلفة ومتعددة، إشارة إلى أن المقاومة باتت ثقافة سائدة لم تنجح كل محاولات كيّ الوعي الصهيوني نزعها من العقل الفلسطيني.
ثانياً، طبيعة العمليات الفدائية المطلوب من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مواجهتها وإحباطها، بات من المستحيل منعها، كونها عمليات فردية هجينة، بمعنى أن منفذ العملية قد يكون أي شاب فلسطيني، وليس بالضرورة منتمياً إلى جناح عسكري، أو لديه سجل أمني لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، يتخذ قرار التنفيذ من قناعاته الشخصية، ويتخذ قرار التوقيت ومكان العملية وحده، وبالتالي لا يمكن لأي جهاز أمني إسرائيلي التنبؤ بالعملية القادمة.
ولكن الجديد في الأمر، أنه مع انتشار الحالات العسكرية المنظمة في الضفة الغربية، وخاصة كتيبة جنين وعرين الأسود، باتت قدرة الشباب الفلسطيني على الوصول إلى السلاح والتدريب عليه أكثر سهولة مما سبق، خاصة مع اتساع استخدام مواقع السوشيال ميديا في الإعلام المقاوم، الأمر الذي يشير إليه ارتفاع أعداد القتلى الإسرائيليين، واستخدام الأسلحة النارية في العمليات الفدائية، أضف إلى ذلك، وجود نماذج ورموز وطنية مقاومة جديدة للشباب الفلسطيني يحذو حذوها، ويسعى للسير على نهجها من دون حاجة إلى تأطير تنظيمي رسمي.
لذلك، أكثر ما يقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية (فكرة الإلهام)، بمعنى أن كل منفذ عملية فدائية يتحوّل إلى ملهم للمنفذ القادم، فبالتأكيد خيري علقم تأثر بالشهيد عدي التميمي الذي استمر بإطلاق النار حتى الرمق الأخير على جنود الاحتلال، الأمر الذي حرص عليه علقم في عمليته الفدائية.
ثالثاً، أثبتت الأحداث والتجربة أن كل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية لن تمنح الأمن والاستقرار لـ"دولة" الاحتلال، ففي ظل ذروة استنفار "الجيش" والأمن والشرطة الإسرائيلية تنفذ عملية النبي يعقوب، ويأتي نتنياهو إلى مكان العملية في سابقة لم تتكرر طوال فترة حكمه، ويقرر "الجيش" الإسرائيلي، والشرطة تعزيز وجودهم الأمني بمزيد من الكتائب العسكرية، ويهدد "الكابينت" باتخاذ إجراءات عقابية ضد عوائل منفذي العمليات الفدائية، وبعد أقل من 12 ساعة تنفذ عملية إطلاق نار في القدس أيضاً في حي سلوان، وأكثر من ثلاث عمليات فدائية خلال 24 ساعة، في رسالة واضحة أن كل فعل إسرائيلي سيواجه فعل مقاوم فلسطيني، تأكيداً أن الشعب الفلسطيني يرفض الاحتلال، ولا خيار لديه إلا المقاومة التي هدفها إفقاد المستوطن الصهيوني الشعور بالأمن، وعدم إمكانية استقراره على الأرض الفلسطينية.
وهنا، تجب الإشارة إلى قرار عسكرة المجتمع الإسرائيلي من خلال زيادة تراخيص حمل السلاح للمستوطنين، وعلى الرغم من أنه سيزيد من الإعدامات الفلسطينية، فإن عواقبه على المستوطنين ستكون أكثر سوءاً، كونه سيشعرهم بأنهم ملاحقون من الفلسطيني بشكل كامل، وسيفقدهم قدرة الاستقرار على الأرض الفلسطينية على المدى الطويل، وخاصة إذا ازدادت وتيرة العمليات الفدائية الفلسطينية.