- وزارة الصحة اللبنانية: استشهاد طفلتين ووالدهما وإصابة شخص في غارة إسرائيلية على الماري بقضاء حاصبيا
للأدب الفلسطيني نكهة خاصة في عمر الإنسان العربي، لاسيما بعدما حوّل الإعلام قضية العرب الأولى إلى شريط إخباري يعبر شاشاتنا بعيدًا عن أنظارنا وضمائرنا.
“مقبرة الإحياء”، للأديب والمناضل الفلسطيني رجب أبو سرية، هي رواية واقعية تقدم لمحة من الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، الذي لم نر خبرًا عنه منذ اتفاق غزة وأريحا سوى لحظات القصف والشهداء الذين صاروا تعدادًا لا نذكره، في الواقع هذه الحرية ما تزال مقيدة ليس من طرف الاحتلال وحسب، بل أيضًا من طرف السلطة الحاكمة في القطاع.
رجب أبو سرية في روايته ”مقبرة الأحياء” يضيء المساحات المعتمة في حياة الشباب الفلسطيني والكهول أيضًا، ويرينا كيف يمكن للمرء أن يتحول بين النقيضين حينما تعلو الأنا ويختفي الوطن.
في الرواية شخوص وأماكن عدة، ولكن الأهم من هذا كله كانت الإنسانية بلا رتوش، ونبوءة للمستقبل الذي ينتظر الأرض ”المحررة” بعدما صارت أسيرة أفراد على برها واحتلال في بحرها، إذا استمر واقعها على هذا الحال.
من تحت الأرض، أو مما ظل مستورًا سنين طوال عن القارئ العربي، نجد رجب أبو سرية يضعنا في مواجهة مباشرة مع مبادئنا وهويتنا وعجزنا الأكبر، بسلاسة سردية تجعلنا ننتقل إلى حياة الشاب نبيل، وكيف تتغير أحلامه من خريج جامعي إلى سائق سيارة أجرة إلى مهاجر عن الوطن، وفي المقابل شخصية إبراهيم من عاطل عن العمل هائم على وجهه تائه في الدروب إلى قيادة مهمة في السلطة الحاكمة بالقطاع، من حياة في النور والحلم إلى حياة تحت الأرض وفي الأقبية السرية، بحثًا عن سلطة وهمية في ديار صارت خاوية على عروشها بعدما هجرها شبابها نحو التيه الأكبر والشتات الأعظم وحلّت عليها الغربان وخفافيش الظلام.
ولم ينس أبو سرية المرأة في روايته، وكيف هي حياتها الطبيعية وما يدور فيها من حكايات، والمرأة المثقفة التي يسلط عليها الضوء من خلال شخصية فدوى، وزميلاتها الجامعيات اللواتي يخترن أن يرفضن واقع الأسر المجتمعي والأسر السياسي المرتدي للعباءة الدينية، ومعه تتحدين السلطات كلها من أجل حياة إنسانية كريمة لهن ولشعبهن المضطهد من الجهات كافة.
كنت أقرأ الرواية وأعيش معها بصوت مارسيل خليفة وتحديدًا نص محمود درويش ”جواز السفر”، الذي يستطيع أن يصف حال المرء وهو يترك الوطن إلى المجهول، دون أن تغيب الهوية الحقيقية عن الإنسان في الشتات على الرغم من أنه فَقَدَ القدرة على بناء الحياة في الوطن، إذ يقول فيها:
كلُّ العصافير التي لاحقتْ
كفي على باب المطار البعيد
كل حقول القمح،
كل السجونِ،
كل القبور البيض،
كل الحدودِ،
كل المناديل التي لوَّحتْ،
كل العيونِ
كانت معي، لكنهم
قد أسقطوها من جواز السفر!
ويضيف:
عارٍ من الاسم، من الانتماءْ؛
في تربة ربَّيتها باليدينْ
أيوب صاح اليوم ملء السماء:
”لا تجعلوني عبرة مرتين!”.