بينما توضح صحيفة «الجيروزالم بوست» الإسرائيلية، أن التحالف الأكثر «يمينية» في تاريخ إسرائيل انطلق ببداية صاخبة وصعبة حيث أطلق النار في جميع الاتجاهات، يصرّح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بأنه سيترك الحكومة إذا لم يُحدث تأثيراً.
بعد شهر واحد فقط من عمر هذا التحالف العنصري الفاشي، تعاني الساحة الإسرائيلية بمختلف مستوياتها السياسية والاجتماعية والأمنية من اضطرابٍ كبير، فلا الحكومة مُوحَّدة في ظل تضارب الصلاحيات والرؤى، ولا «المعارضة» تنضبط في معالجة الأزمة لوسائل عادية بينما يظهر استطلاع للرأي نشره معهد الديمقراطية أن ثلث المجتمع بات يخشى من حرب أهلية.
الاضطراب واسع وعميق في المجتمع الإسرائيلي، وبين مواطنيه اليهود والعرب، ومضطرب جداً، ويُنذر بانفجار واسع مع الفلسطينيين، وربما يترك آثاراً سلبية على العلاقات الدولية مع حلفاء إسرائيل التاريخيين.
لم تحتمل الحكومة الإسرائيلية تصريحاً أدلى به المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، بعد حديثه عن تصعيدها غير المنطقي للعنف في فلسطين، واعتبرت بيانه مخجلاً ومنحازاً.
أمّا بنيامين نتنياهو فوصف ما اعتبره تدخّلاً أميركياً في خطة إصلاح القضاء بالغبي والتدخّل الصارخ والمرفوض.
لقد تعوّد نتنياهو على رفض كل انتقاد أو نصيحة من قبل الإدارات الديمقراطية، ولم يتورّع عن توجيه إهانات لمسؤولي الإدارة، بمن في ذلك الرئيس السابق باراك أوباما. ودائماً كانت الإدارات الديمقراطية تتجاوز تلك الإهانات وتقدم لإسرائيل المزيد من المكافآت.
لقد عرف دائماً من أين تُؤكل الكتف وكيف يستغل الأوضاع في الولايات المتحدة، لصالح سياساته المتشدّدة والحصول على مزيدٍ من الدعم.
في مقالتنا السابقة أشرنا إلى أن مسلسل جولات المسؤولين الأميركيين لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، لم يعد ينفع حتى كمُسكِّن مؤقّت، فلقد مارست إسرائيل سياساتها العنصرية والفاشية بحق الفلسطينيين خلال وجود مسؤولين أميركيين.
أغلب الظنّ أن إدارة جوزيف بايدن لم تكن ترغب في أن يعود نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، كما أنها بالتأكيد لم تكن ترغب في أن تجد نفسها أمام ائتلافٍ حكومي من هذا النوع.
على الأرجح أن مراكز الدراسات والأبحاث، والأجهزة الأمنية الأميركية لم تكن قد قرأت جيّداً التطورات المجتمعية والسياسية الجارية في إسرائيل والتي أنتجت حكومة تشكّل خطراً على إسرائيل وتضع الولايات المتحدة أمام حرج شديد.
ما وقع في إسرائيل من تطور كان طبيعياً، فهذا هو مآل مجتمع استيطاني احتلالي وإحلالي عنصري واستعماري، كان لا بدّ أن يصل إلى نقطة النهاية في بلورة المشروع الصهيوني ببشاعته وعنصريته وفاشيته.
كان لا بدّ أن يحصل مثل هذا التطوّر الخطير، بعد مرحلة طويلة من استخدام الكثير من المساحيق لتزييف الواقع والأهداف، وهو أمر بقدر ما أنّه يشكّل خطراً على إسرائيل نفسها كما يقول أهلها فإنه يشكّل فرصة للفلسطينيين، لحشر هذا المشروع وفضحه وعزله.
سيدفع الفلسطينيون ثمناً كبيراً لانهيار القلعة الإسرائيلية من داخلها وهم في الحقيقة دفعوا ويدفعون أثماناً باهظة حتى الآن.
ما يغيظ الفلسطيني، أنّ أولي الأمر لا يزالون متخلّفين عن أداء واجباتهم تجاه أنفسهم، حيث تستمر مفاعيل الانقسام، والحسابات الفئوية المريضة، ويستمرُّون في تقديم رسالة سلبية للمحيط القريب والبعيد.
لا نتحدّث عن الماضي، واتفاقات المصالحة التي انتهت دائماً بخيبات الأمل، وإنّما نتحدّث عن الدعوات الحاضرة للحوار ورأب الصدع، ولكنها تبقى مجرّد أخبار ثانوية تتداولها وسائل الإعلام المحلية من دون اكتراث.
كانت إسرائيل أحد المعيقات أمام إمكانية إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ولكنها لم تعد سبباً، يمنع تحقيق هذا الهدف.
بالتأكيد ستعمل إسرائيل بكل الوسائل الوحشية والفاشية والإرهابية لمنع إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة والوحدة.
لقد فعلت ذلك سابقاً، خصوصاً بعد «اتفاق الشاطئ» العام 2014، حيث شنّت عدواناً واسعاً وشرساً على قطاع غزة استمرّ لأكثر من خمسين يوماً.
الفلسطينيون يدفعون الثمن كل يوم وفي كل الأحوال، سواء كانوا منقسمين أو ذهبوا إلى إنهاء الانقسام والوحدة، فلماذا لا يدفعون الثمن مقابل إنجاز الوحدة الفلسطينية؟
يغضب الفلسطيني، أيضاً، انهيار المنظومة السياسية العربية، وخروجها الفظّ عن قراراتها الجماعية، وتجاوز كل حدود العقلانية في الانفتاح بل الانبطاح أمام إسرائيل بدعوى تحقيق سلام لا مبرّر له.
بعضهم أدان ما يسمّيه الإرهاب بعد عملية القدس، وآخرهم السودان، الذي يقرّر توقيع «اتفاقية سلام»، لن تؤمّن له سلاماً داخلياً، حيث توجد معارضة شعبية واسعة لهذا «التطبيع».
من الغريب والمُستغرب أن تتفاعل المجتمعات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، مع ما يجري على أرض فلسطين التاريخية، نحو فهم أعمق للمشروع الصهيوني، وحيث تتوسّع دائرة المؤسّسات والجماعات المدنية التي تدين العنصرية الصهيونية، بينما يقدّم بعض العرب نموذجاً مخجلاً في التعامل مع هذه العنصرية.
في كل الأحوال الشعب الفلسطيني المبدع موجود في الميدان، ويتجاوز كل هذه الحسابات والمُنغّصات، فلقد اعتقدت إسرائيل أن مشكلتها الكبرى مع «كتيبة جنين» في جنين و«عرين الأسود» في نابلس، لكنّ المقاومين يخرجون من كل زاوية.
تعترف «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أنّ «عشرات المقاومين كانوا ينتظرون الجيش في أريحا التي تعتبر أهدأ مدينة فلسطينية في الضفة، وأنّ هذا المشهد يعكس سيطرة لعناصر المقاومة وقت الأحداث الأمنية.
ولقد فشلت الحملة الأمنية الإسرائيلية في اعتقال من تتّهمهم بتنفيذ عملية إطلاق نار استهدفت مطعماً إسرائيلياً جنوب مدينة أريحا الأسبوع الماضي، على الرغم من محدودية عدد سكّان وإمكانيات مخيم عقبة جبر.