أتاح القانون النرويجي المعمول به في إسرائيل والذي بمقتضاه يمكن لأي مرشح على قائمة الحزب الذي يستقيل أحد أعضائه من الكنيست بعد أن يتولى منصب وزير أو نائب وزير في الحكومة الإسرائيلية، للمستوطن الفاشي المدعو تسفي سوكوت، أن يصبح نائباً في الكنيست الخامس والعشرين خلفاً للوزير المتطرف بتسئليل سموتريتش الذي تولى وزارة المالية، في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية.
وسوكوت هذا في الثانية والثلاثين من عمره، عضو في العصابة الإرهابية المسماة «شبيبة التلال» والتي مهمتها الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وإقامة البؤر الاستيطانية عليها، كذلك الاعتداء على المواطنين الفلسطينيين، بكل ما لديهم من أدوات ووسائل تخريب وإرهاب، بما في ذلك البنادق والأسلحة النارية، ورغم دوره ونشاطه المعروف في هذا المجال، كدوره البارز في إقامة مستوطنة أفيتار على جبل صبيح بنابلس، إلا انه بدأ حياته الإرهابية عام 2009، أي وهو في الثامنة عشرة من عمره، حين شارك في حرق مسجد خاص قرب سلفيت، واعتقل على أثر ذلك لضلوعه الصريح في تلك الجريمة.
الغريب في الأمر، أن هؤلاء الإرهابيين من أعضاء حزب الصهيونية الدينية ومنهم هذا الإرهابي تسفي سوكوت، ليسوا خطرا داهما على الشعب الفلسطيني وأرضه، وليس أنه يجب تقديمهم للعدالة الدولية، وحسب، بل إنهم مطلوبون حتى لأجهزة الأمن الإسرائيلية نفسها، رغم كل ما تقدمه لهم من دعم وتغطية لاعتداءاتهم، وما تظهره من تراخ وغض نظر عن جرائهم بحق المواطنين الفلسطينيين، مع ذلك وحسب «هآرتس» الصحيفة الإسرائيلية، فإن سوكوت كان ضمن دائرة التعقب، أي المراقبة والمتابعة، لجهاز الأمن العام «الشاباك»، وذلك على ما يبدو نظرا لأدراك الجهاز الأمني الإسرائيلي بمدى خطورة الرجل، ليس لجهة التسبب في إشعال حرب موضعية مع الشبان الفلسطينيين، بزيادة «جرعة» العدوان الميداني، ولكن لجهة احتمالات ارتداد خطورته على المجتمع الإسرائيلي نفسه، سواء وراء الخط الأخضر، أي داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، أو داخل الخط الأخضر، أي داخل مجتمع دولة إسرائيل.
ولأن الخيط الفاصل بين حزبي «عوتسما يهوديت» بزعامة الوزير المتطرف ايتمار بن غفير، والصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش، يكاد يختفي، فإن سوكوت عمل من قبل كمدير تنفيذي لحزب «العظمة اليهودية»، وكذلك مساعدا لرئيس مجلس مستوطنات الضفة، يوسي دوغان، ومتحدثا باسم مستوطنة «يتسهار».
أما وصول سوكوت، وأمثاله للكنيست وهم في هذا العمر، كذلك تولي بن غفير وسموتريتش، منصبين وزاريين، خاصة وأن سموتريتش يتولى المنصب الذي يعتبر الرابع في أهميته في الحكومة بعد رئيسها ووزيري الخارجية والدفاع، وهو في عمر الثانية والأربعين فقط، كل هذا يعتبر حوافز للتطرف بين صفوف المستوطنين، ويعتبر_بتقديرنا_ مؤشرا على ما هي ذاهبه إليه دولة إسرائيل، بعد كل هذا الانزياح نحو اليمين عبر ثلاثة عقود مضت، اختفى خلالها اليسار تماما، بعدم تجاوز حزب ميرتس نسبة الحسم في الانتخابات الأخيرة، وحصول حزب العمل على أربعة مقاعد فقط، فيما اختفت من إسرائيل ظاهرة تداول السلطة والتي هي دليل على ديمقراطية النظام السياسي، كل ذلك يؤكد بأن إسرائيل تنزاح من اليمين التقليدي أو الليبرالي إلى اليمين المتطرف السياسي، اليمين المتطرف الإرهابي السياسي والديني.
وإذا كان تولي اليميني المتطرف الذي دخل الحياة السياسية، على أكتاف المستوطنين لرئاسة الحكومة قبل عامين، نقصد نفتالي بينيت، فإن ذلك كان مجرد إشارة، كونه وضع من قبل الوسط في ذلك المنصب، ضمن لعبة إسقاط نتنياهو، لكن وصول سموتريتش وبن غفير، وتوغل التطرف اليميني في حكومة نتنياهو السادسة، يؤشر إلى أن الأمور إن استمرت على هذا النحو، فإن اليمين المتطرف، السياسي/الديني المستند لقاعدة جمهور المستوطنين، سيكون مستقبل الحكم في إسرائيل، بعد أن يقوم بدفع الليكود للتآكل والتراجع، تماما كما سبق لليكود اليميني أن فعل مع حزب العمل اليساري، وكان كلاهما يعتبران حزبين ليبراليين، من قبل.
وهكذا يمكن القول، بأن إسرائيل بعد أن مرت بحقبتين من قبل أو (بما يمكن وصفه مجازا بالجمهوريتين الأولى، جمهورية اليسار بقيادة حزب العمل، والثانية جمهورية اليمين بقيادة حزب الليكود)، أي حقبتي اليسار واليمين الليبرالي، ستكون أمام حقبة جديدة، عنوانها اليمين المتطرف، بحيث يكون السؤال المهم هو، متى يتولى مستوطن ما، قد يكون سموتريتش بعد عشر سنوات مثلا، أو بن غفير بعد خمس سنوات، أو واحدا مثل سوكوت بعد ذلك، رئيسا للحكومة الإسرائيلية القادمة.
ولا شك أبداً، بأن نجاح إسرائيل في «ضم» صريح للضفة الغربية، أو نجاحها في هدم المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل المزعوم، سيجعل من ذلك التوقع أمرا متحققا لا محالة، فأي نجاح إسرائيلي في القدس، بمعنى التمكن من تحقيق هدف التقاسم المكاني والزماني في الحرم، سيطلق احتمال أن يتقدم بن غفير باتجاه رئاسة الحكومة، أما نجاح إسرائيل في الإعلان على الأقل بضم مستوطناتها، الكبرى على أقل تقدير، أي أية مستوطنات مقامة على الأرض الفلسطينية، من جانب واحد، سيعد نجاحا لبن غفير وسموتريتش، بحيث يتقدمان لوراثة نتنياهو، خاصة وأنه لا يظهر بأن هناك قيادات ليكودية تحتل المشهد السياسي الإسرائيلي بنفس قوة ابن غافير وسموتريتش حاليا.
ونتنياهو بفرديته وأنانيته اختصر الليكود في شخصه، لكنه لم ينجح في اختصار اليمين بشخصه، وذلك بعد أن تمرد عليه كل من افيغدور ليبرمان، ونفتالي بينيت وجدعون ساعر، لكل ذلك فإن سقوط أو خروج نتنياهو من المسرح السياسي، سيفتح الباب واسعا أمام بن غفير وسموتريتش للتقدم نحو مقدمة وسط ذلك المسرح، بكل تأكيد.
هذا كله سيناريو مرتبط بتحولات إسرائيل الداخلية، دون تدخل خارجي، بل حتى دون رد فعل من الجمهور العلماني والليبرالي الإسرائيلي، ذلك أن الحراك المتمثل بتواصل المظاهرات في مدن تل أبيب وحيفا وهرتسليا، أي مدن الاختلاط الليبرالية، في حال استمرارها، قد تجر أيضا معها بعض جمهور اليمين الليبرالي، بما فيه جمهور الليكود، الذي سيرى كل الخطر في اليمين المتطرف، الذي سينتقل، إن بقي خط سير إسرائيل على هذا النحو، من موقع شريك الليكود في الحكم، إلى موقع المنافس له، والبديل عنه، ومن ثم موقع الخصم السياسي، وربما العدو فيما بعد، كل ذلك ما دام نتنياهو يخلط بين دائرتي اليمين التقليدي واليمين الاستيطاني، أي اليمين داخل دولة إسرائيل، ويمينها الاستعماري، خارج خطها الأخضر، وهذا قاعدته قانون الكنيست العنصري، الذي يفرض القانون العسكري على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقوانين الدولة على المستوطنين، ويعتبرهم مواطنين إسرائيليين، كما لو كانوا مقيمين على أرضها، فيسري عليهم القانون المدني الإسرائيلي، بما في ذلك الانتخاب والترشح، والمثول أمام القضاء المدني الإسرائيلي.
أما في حال، وهذا أمر مستبعد، لأنه مرتبط بالحل السياسي، في حال تم وضع حد للاحتلال وإنهائه من على الأرض الفلسطينية، ومن ثم وقع الانفصال بين دولتي إسرائيل وفلسطين، في حال إخراج المستوطنين من إطار دولة إسرائيل، واعتبارهم على الأقل مواطنين مقيمين خارج حدودها، فإن ذلك سيضع حداً، لاحتمال أن يكون رئيس حكومة إسرائيل القادم إرهابياً متطرفاً، مستوطناً، أو حتى مداناً بجريمة قتل، أو تخريب أو إرهاب.