- شهيد ومصابون بنيران مسيرة إسرائيلية على مواطنين في جباليا النزلة شمالي قطاع غزة
لا تزال صرخة الشاعر الكبير معين بسيسو، "لا توطين.. ولا إسكان يا عملاء الأمريكان" في أول مارس 1955، تدوي في كل بيت من بيوت الوطن الفلسطيني وخارجه، عندما خرج يقود أحد أهم المظاهرات الشعبية وقودها الشيوعيين في قطاع غزة، ضد مشروع بدأ نشر ملامحه عبر اتفاق بين الحكومة المصرية في حينه، ووكالة غوث اللاجئين "أونروا" في سيناء.
مظاهرات سال بها دم 30 شهيدا، اولهم كان (حسني بلال) اسم لا يرد كثيرا في وسائل الإعلام بما فيها الفلسطينية نظرا لهويته الحزبية الشيوعية)، تضحيات أجبرت طرفي "اول محاولة توطينية" على سحبها، حتى جاء الأمريكي جوزيف جونسون عام 1962، مكررا محاولة جديدة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، وكان مآلها الفشل.
محاولات أمريكا "التوطينية" للفلسطيني اللاجئ، لم تتوقف أبدا، رغم حضور الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة حركة فتح، وتمكنها من ترسيخ "الكيانية الفلسطينية" حقيقة سياسية قائمة فوق أرض فلسطين، السلطة الوطنية، كوطن قادم لشعب تم تهجير غالبيته من أرضه وبلده في غزوة استعمارية تحتفظ بها الذاكرة العالمية باسم "النكبة"، وباتت دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة.
في فبراير 2023، نشرت وسائل إعلام وثيقة مسربة لمسودة قرار تم تقديمه إلى أحد لجان الكونغرس الأمريكي، تعيد تعريف كامل للهوية الفلسطينية، ولطبيعة مفهوم "اللاجئ"، وكيفية التعامل وفقا لما يرتبط بـ "المصلحة الإسرائيلية العليا"، وقدمت مبادئ جديدة يتم تقديم منح "الجنسية" و "الحقوق المدنية" او "الدعم المالي" لأفراد أو مؤسسات ومنها الأونروا بمعايير منها:
"التأييد أو التعبير عن الدعم للعنف أو الجهاد أو الاستشهاد أو تمجيد أو تكريم بأي شكل أي شخص أو جماعة دعت إلى أعمال "إرهابية" (إقرار مقاومة ضد الاحتلال) أو رعت أو ارتكبت، أو قدمت دعمًا ماديًا للإرهابيين (المقاومين) أو عائلاتهم".
التعبير عن دعم مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها وهو ما يشار إليها عادةً باسم BDS.
المطالبة أو الدعوة إلى" حق عودة "اللاجئين إلى إسرائيل.
تجاهل أو إنكار أو عدم الاعتراف بالصلة التاريخية لـ "الشعب اليهودي على أرض إسرائيل".
وعناصر مضافة تفصيلية تتعلق بطبيعة عمل الأونروا، ودورها ووظيفتها.
جوهر العناصر الأمريكية، ورغم أنها لم تصل إلى أن تكون "تشريعا رسميا" بعد، لكن تداولها يشير إلى "مؤامرة مستحدثة" حول الهوية الفلسطينية وحق العودة، وبالتالي قرار 194، ووظيفة الأونروا، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل ستصبح "تعريفا" عالميا وخاصة في الدول الأوروبية التي تحتضن مئات آلاف من اللاجئين الفلسطينيين، وكذا دول أمريكا الجنوبية، وبالتأكيد دول عربية تحتضن ما يعرف بـ "مخيمات الشتات".
مشروع النص الأمريكي، يمثل مظهر معاصر لمشاريع التوطين القديمة، ولكن الجديد مرتبط بإلغاء الوطن الفلسطيني مقابل التأكيد على أن "إسرائيل هو وطن اليهود"، وتلك مسألة تفوق بخطورتها المشروع التآمري في تغيير صفة "اللاجئ" ودور الأونروا، فهي تصل إلى الغاء الهوية الوطنية الفلسطينية.
إعادة تعريف "الهوية الفلسطينية" وفقا لمصلحة دولة الاحتلال، وتعريف عصري لمفهوم اللاجئ الفلسطيني عنصران محفزان لمشروع تهويد فلسطين من النهر إلى البحر، ومن رأس الناقورة حتى رفح، وتحويل بعضهم إلى سكان بلا "حقوق قومية" داخل إسرائيل، وحقوق سكانية لفلسطينيين داخل "محميات بالضفة الغربية" تحت الحماية الإسرائيلية.
حتى الان تقف "الرسمية الفلسطينية"، ومعها "غالبية المكونات الفصائلية" في لحظة "صمت سياسي"، لا يُعرف هل هو انتظار لتفاصيل ترجمة المشروع كاملا، ام لعدم إدراك مخاطره الحقيقية، أو أنها تعيش في عالم افتراضي لا يعنيها مثل تلك "المشاريع"، ما لم يتم إقرارها حتى تخرج لتقول هتافها الدائم، أن "ذلك يهدد الاستقرار في المنطقة".
وتنشيطا لـ "ذاكرة" البعض الفلسطيني، فمشروع توطين اللاجئين في سيناء بدأ الحديث عنه منذ عام 1953، لتبدأ رحلة "التصدي" له بعدما تسرب نص الوثيقة كاملا فبراير 1955، فأطلقت جماهير قطاع غزة المظاهرات التاريخية التي اسقطت تلك المؤامرة.
وكي لا يصبح المشروع الأمريكي التوطيني – التهويدي الجديد حقيقة سياسية، وجب على الرسمية الفلسطيني ومعها المكونات الفصائلية الانطلاق نحو "هبة حراك" حقيقية لقطع "وريد" ذلك المشروع وقبره مبكرا.
ولتكن صرخة معين بسيسو لحظة سقوط حسني بلال شهيدا في "هبة مارس" 1955 حافزا معاصرا لحراك وطني لإسقاط المشروع التوطيني التهويدي الأخطر منذ 1948:
يا فم حسني بلال ... الدم سال وقال
الموت للرجعية ... والموت للاحتلال.