لم تكن الأحداث التي شهدتها مناطق الضفة التي بدأت في مارس 2002 مجرد "موجة" و"انتفاضة أولاد" عابرة، كما أسمتها أجهزة أمن الاحتلال، كون جل منفذي هذه العمليات من الفتية والشبان، بل كانت مقدمة لتدهور الوضع الأمني والشعور بانعدام الأمن لدى المستوطنين، وهو ما بات جليا في تصريحات قادة الاحتلال ومناشدات واشنطن والاتحاد الأوروبي مؤخرا. في القدس، ارتفعت وتيرة العمليات الفردية المقاومة، وفي غزة، أُطلقت عشرات الصواريخ، أما في تل أبيب، احتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين المناهضين للحكومة في الشوارع، في أحد أكبر الاحتجاجات في إسرائيل منذ نحو 10 أعوام. جاء قرار نتنياهو منح حقيبة الأمن الداخلي لزعيم حزب العظمة اليهودية اليميني المتطرف إيتمار بن غفير مع صلاحيات واسعة تشمل إدارة شرطة حرس الحدود في الضفة مع بداية العام، "إضافة لمصالحه السياسية الخاصة" علاوة على اعتقاده أن ذلك سيسهم في إيقاف هذه "الموجة"، فانطلق بن غفير بسيل من الخطط والبرامج التي أعلن عنها مرارًا وتكرارًا ضد الفلسطينيين، ملوحا بأنها ستشكل رادعا نهائيا، لكن الخبير والمتابع للشأن الإسرائيلي الداخلي، ولطريقة اتخاذ القرار في دولة الاحتلال، يتوصل لنتيجةٍ مفادها أن هذه الإجراءات لن تكتمل وسيكون مصيرها الفشل، كما كان مصير قرارات وزير الأمن الداخلي السابق 2019 جلعاد أردان. تطورات سلبية أخرى في المجال الأمني تمثلت في توترات برزت خلال الأيام الأخيرة مع الولايات المتحدة وأوروبا، كان أولها قرار الكابينت تشريع 9 بؤر استيطانية في الضفة، وبدء مشاريع لبناء أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية في أراضي المنطقة ج. أما الثاني فكان التشريع للحد من استقلالية المنظومة القضائية على يد الحكومة بوتيرة سريعة، دون التحاور مع المعارضة، وهو ما وصفته واشنطن بالعملية التشريعية المتسرعة التي يمكن أن تُلحق الضرر باستقلالية القضاء في إسرائيل وهو ما لا يتماشى مع تفكير الإدارة الأمريكية. حاولت الولايات المتحدة تدارك الأزمة من خلال عرض وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، صفقة على نتنياهو دعاه فيها إلى التحلي بالمسؤولية في التعامل مع الفلسطينيين، إلى جانب الحرص على أن تحظى الإصلاحات القضائية بإجماع يحافظ على إسرائيل كدولة ديمقراطية - ليبرالية تتبنى القيم التي تتبناها الولايات المتحدة. |
استمرار بن غفير في هدم منازل الفلسطينيين بالجملة، واستخدامه قوات الشرطة التي عززت وجودها في القدس بكثافة، والتصعيد ضد الأسرى في السجون، لن يحمي المستوطنين بل من شأنه زيادة الاحتكاكات، وقيادات الاحتلال والمعارضة باتت مدركة أنه يتعين على نتنياهو لجم شركائه في الائتلاف بقدر الممكن، ووقف تحركاته وشركائه التي تهدد استقلالية المنظومة القضائية في إسرائيل، ما سيؤدي لتأجيج الصراع الداخلي الإسرائيلي، كما أن تحركات الوزيرين بن غفير وسموتريتش في الدفع قدماً بضم أراضي المنطقة ج إذا تحقق بالكامل، فسيحول إسرائيل بعد أعوام قليلة إلى دولة ستصبح الأغلبية فيها عربية فلسطينية، ما يهدد الأمن في العقود القادمة ويلوح باقتراب لعنة العقد الثامن.