لم يحدث من قبل أن تواجد على خط رام الله – القدس، أقطاب الإدارة الأمريكية المعنيين مباشرة بالمسار الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يعتبر من أكثر المسارات تعثرا ومثارا للأزمات.
تركزت مهمة الأقطاب الثلاثة بيرنز وبلنكين وجيك سوليفان، على إنقاذ السلطة الفلسطينية من الانهيار، ومساعدتها لبسط نفوذها على المناطق الخارجة عن سيطرتها، وتحقيق تهدئة بعد أن سال الدم غزيرا.
وقبل حلول الشهر الفضيل الواقف خلف الباب، والذي تقدر المؤسسات الأمنية الإسرائيلية أنه الشهر الأخطر.
كان هذا هو الفصل الأول العاجل الذي اهتم به الأقطاب الأمريكيون، أما الفصل الثاني فقد بدأ حين ذهب الفلسطينيون إلى مجلس الأمن للحصول على قرار بإدانة الاستيطان الذي استأنفته حكومة نتنياهو سموتريتش وبن غفير، والمترافق بتهديدات مباشرة بهدم المزيد من المنازل خصوصا في القدس، مع ترحيل مواطني الخان الأحمر، حصار حي سلوان وراء المكعبات الاسمنتية، مع تشديد إجراءات الخنق على مخيم شعفاط.. ما حوّل القدس إلى ساحة حرب انتقامية يديرها وزراء في حكومة نتنياهو، إلى جانب إجراءات شديدة القسوة وعدوا بها، حيثما وجد فلسطينيون في غزة والضفة.
الأمريكيون الذين تخصصوا في استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن كلما تقدم الفلسطينيون بشكوى إليه، باتوا محرجين سياسيا وأخلاقيا من تخصصهم هذا، ما دفعهم إلى الضغط على الفلسطينيين بسحب شكواهم من التصويت والاكتفاء ببيان يصدر عن رئاسة مجلس الأمن يتضمن المعاني التي ينص عليها القرار وشتان ما بين القرار والبيان.
بذلك يكون الأمريكيون نجحوا في تفادي الفيتو ذلك مقابل رزمة تفاهمات تحت عنوان وقف الإجراءات أحادية الجانب ولكن بصورة مؤقتة "شهور قليلة" وبذلك يعتقد الأمريكيون انهم قدموا تسوية متوازنة يستطيع كل طرف الادعاء بأنه حقق مكاسب منها.
الجانب الفلسطيني حصل على وعود أمريكية ترتبط جميعا بالموافقة الإسرائيلية عليها، مثل العمل على أعادة فتح القنصلية في القدس، وتقديم طلب رسمي لإسرائيل بالموافقة على ذلك وهذا وعد غير مضمون التحقق، مقابل وقف التحرك الديبلوماسي الفلسطيني - محكمة العدل الدولية، والجنايات وغيرها.
أما الجانب الإسرائيلي صاحب الاحتكار الأكبر في الإجراءات الأحادية الجانب، فلم يلتزم ولن. الا بما يتفق مع سياساته وبرامجه، ومثلما فعل في كل الاتفاقيات والتفاهمات السابقة، سيفعل هذه المرة، يأخذ ما يريحه ويمتنع عن ما يريح الفلسطينيين. ذلك أن تجميد الإجراءات الأحادية بما في ذلك مشاريع الاستيطان لن يكون التزاما جديا من جانبه، فالتجميد المؤقت اقل ضررا من الوقف.
قصتنا مع أمريكا وإسرائيل ومجلس الأمن أصبحت فصولها ومقدماتها وخلاصاتها محفوظة عن ظهر قلب، فلنا مساحة حركة واسعة وبلا قيود مكانها الجمعية العامة والمؤسسات المنبثقة عنها، وغالبا ما تستخدم فلسطينيا للمساومة والضغط. وبقدر ما لدينا فيها من مساحة حركة واسعة بقدر ما لإسرائيل أبواب هرب منها.
أما تلك الغرفة المغلقة بإحكام في وجهنا فهي مجلس الأمن أي الجهة الوحيدة التي تصدر قرارات جدية يفترض ان تكون ملزمة، إلا أن الفيتو في حال التهديد الأمريكي به أو استخدامه فعلا فهو المقيد الأكبر لحركتنا والحامي الدائم للخروج الإسرائيلي الصريح والفظ عن القانون الدولي واحكامه.
أمريكا تغطي افراطها في استخدام الفيتو بحكاية أن مجلس الأمن والأمم المتحدة ليسا المكان المنوط به معالجة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وحين يسألون اين هو المكان إذا، يجيبون بتلعثم المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وحين يُسألون وأين المفاوضات إذا، يفضلون أن لا يجيبوا.