طغت حركة "الغضب الإسرائيلي" المتنامية، بتأييد دولي نادر على، حركة "نتنياهو" لكسر ظهر القضاء حماية لمستقبله السياسي بعدما تعرى فساده، وبات من الصعب الهروب، على غيرها من الأحداث التي تستحق كثيرا اهتماما ووقفة جادة.
ولعل أبرز ما كان الاعتراف الصريح لأحد اليهود الإسرائيليين، المصور الصحفي جلعاد ساديه في تصريحات لـ "نيويوركر" الأمريكية، حملت اعترافا مباشرا بأن الوزير إيتمار بن غفير، رئيس حزب "قوة يهودية"، قام بتجنيده في نهاية (1999 – أوائل 2000) لتفجير مقر الأمم المتحدة في القدس الشرقية المحتلة.
ساديه، تحدث عن تلك العملية بتفاصيل هامة، وكيفية استغلال "طفل" للقيام بعمل إرهابي، ما أدى لتدمير حياته، وغادر لاحقا إلى خارج دولة الكيان، ولا زال مصابا بهلع من التفكير بالرجوع خوفا من بن غفير، الذي أصبح وزيرا في تحالف الفاشية الجديدة الحاكم في إسرائيل.
دون الذهاب إلى تفاصيل مقابلة "ساديه" مع الصحيفة الأمريكية، والتي عنونت تقريرها بتعبير ملفت، "بن غفير وزير الفوضى" ورسم كاريكاتيري يشير إلى سخرية واضحة، فما يهم الفلسطيني، من تلك المقابلة الاعتراف الصريح بالتحريض على ارتكاب فعل إرهابي ضد مقر "الشرعية الدولية" واستغلال طفل لتنفيذها.
الاعتراف الصريح، والموثق في وسيلة إعلام ليست عربية، بل أمريكية، يجب أن يفتح تحقيق شامل على تلك المحاولة الإرهابية، بأن تعيد "الرسمية الفلسطينية" تقديم طلب من أجل تشكيل فريق خاص من الأمم المتحدة، والتحقيق مع الشخص المكلف بها وكل ما عليها.
القيام بتلك الخطوة، وفقا لاعترافات من شخص يهودي إسرائيلي بتفاصيل ووقائع محددة، تمنح مسألة فتح التحقيق مصداقية كبيرة، فلم يعد الأمر تصريحات من هنا أو هناك، حول البعد الإرهابي لبن غفير، وخاصة أن العملية التي قام بالتحريض عليها لا تتعلق بفلسطين، أو الفلسطينيين، بل ضد مقر الأمم المتحدة، بمكانتها الدولية وشرعيتها الخاصة.
قضية اعتراف "ساديه" عن دور "وزير الفوضى" بن غفير، في التحريض لتنفيذ عمل إرهابي ضد مقر الأمم المتحدة، تعيد إلى الأذهان قيام عصابات يهودية "أرغون وشتيرن" بقيادة بيغن وشامير باغتيال السويدي الكونت فولك برنادوت بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 1948 في مدينة القدس، بتهمة انحيازه للموقف الفلسطيني في مسألة تقسيم القدس.
وكي لا يتكرر المشهد الهزلي فيمن قام بفعل اغتيال الوسيط الأممي، بإطلاق سراح مرتكب الاغتيال (لاحقا أصبح قادة المنظمتين وراء الاغتيال بيغن وشامير رؤساء لحكومة إسرائيل) بعد أسبوعين من الاعتقال، يجب على "الرسمية الفلسطينية" تقديم ملف كامل بالتقرير الأمريكي، مع مجمل تصريحات بن غفير، لتبدأ حركة مساءلة أممية مع شخصية متهمة صراحة بعمل إرهابي ضد الأمم المتحدة.
التقرير في الصحيفة الأمريكية، ربما يمثل "فرصة من غير ميعاد سياسي" للطرف الفلسطيني، بأن يعيد فتح باب النقاش حول ملف "الإرهاب اليهودي"، الذي لم يعد مقتصرا على من هم خارج الحكم، بل جزء رئيسي من تحالفه، وصولا إلى اتخاذ إجراءات محددة، تساعد في تعزيز ملف "المحكمة الجنائية الدولية".
التقرير الصحفي الأمريكي، يستحق "مطاردة ساخنة"، لما يحمل من اعتراف صريح حول الدور الإرهابي لبن غفير، ما لم تكن "صفقة التفاهمات" التي حدثت بين "الرسمية الفلسطينية" وحكومة "الفاشية الجديدة" في تل أبيب برعاية أمريكية، تمنعها من الذهاب إلى فتح باب الملاحقات لجرائم الإرهاب اليهودي.