لم تترك سلطات الاحتلال وقطعان المستوطنين وأجهزة الأمن والحراسة الإسرائيلية، أي مكان يتواجد فيه الأطفال الفلسطينيين، دون أن يطالهم العنف والتنكيل والاعتداءات الإرهابية. حيث لا مكان آمن لهم حتى في الطرق والبيوت ووسائل المواصلات، فقد تحول حتى "القطار الخفيف" في مدينة القدس، الى محطة للتنكيل بالأطفال والفتية من قبل "حراس القطار" المتواجدين داخله، دون اعتبار لطفولتهم ودون مراعاة لحاجتهم للأمن والسلامة خلال تنقلهم إلى بيوتهم ومدارسهم، وتأتي هذه الاعتداءات المتواصلة عليهم مخالفة لحقوق الأطفال التي تكفلها لهم الشرعة الدولية لحقوق الانسان، واتفاقية حقوق الطفل.
شهد الأسبوع الماضي، أكثر من 6 حالات اعتقال من داخل القطار الخفيف، خاصة في منطقة شعفاط، ووثقت كاميرات الهواتف الاعتداء على الفتية والأطفال بالضرب والسحل على الأرض وتوجيه لكمات على الرأس والظهر بشكل خاص، إضافة الى توجيه الشتائم لهم، حسب ما أفاده شهود عيان من الفلسطينيين.
وذكرت سيدة فلسطينية شاهدة عيان على ما جرى يوم الأربعاء الماضي الأول من شهر آذار/ مارس داخل القطار الخفيف حيث قالت:" الحراس بشكل مفاجئ وعشوائي قاموا بمحاصرة أحد الفتية خلال تواجده في القطار، وفتشوه جسديا، ثم انهالوا عليه بالضرب وأبعدوا الجميع عنه ومنعونا الاقتراب منه، ثم أجبروا الفتية على الخروج من القطار عند أول المحطات - قبل وصولهم الى المحطة التي يريدوها-، وخلال ذلك استدعوا الشرطة التي قامت باعتقال الفتى المحتجز".
وأضافت السيدة والتي كانت أحدى ركاب القطار في ذلك اليوم أن الاعتداءات على الفتية داخل القطار من قبل الحراس متزايدة، يوميا نشهد التفتيشات والتحقيقات الميدانية من حراس القطار للفتية والأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12- 18 عاماً، يهددون برش الفلفل باتجاهنا في حال محاولة حماية الطفل أو التحدث معه خلال توقيفه." وأوضحت السيدة أن التنكيل بالفتية يتركز عند ساعات الصباح والعصر- عند توجه الطلبة الى مدارسهم أو الى منازلهم بعد انتهاء يومهم الدراسي."
وقال أحد الفتية الذي أخضعه أحد الحراس للتفتيش " قاموا بفتح حقيبتي المدرسية وتفتيش الكتب والدفاتر واحتجزوا هويتي، ووجهوا لي بعض الأسئلة "مكان سكنك، مدرستك...وغيرها من الاسئلة"، ثم طلبوا فتح هاتفي وأضاف الفتى يوميا نعاني من الاجراءات الاستفزازية للحراس، وفي حال رفضنا الاجابة عن سؤال معين أو فتح الهاتف يتم ضربنا واعتقالنا". ونشر قبل عدة أيام تصويرا لقيام أحد الحراس بضرب فتى واحتجازه لاعتقاله، لوجود صورة شهيد فلسطيني على هاتفه وأخذ بالقول "الصورة لمخرب الصورة لمخرب".
واعتدى "حراس القطار الخفيف"، عصر يوم الأربعاء الماضي 22/2/2023، على طلبة المدارس خلال تواجدهم داخل القطار، في منطقة شعفاط في القدس. وهاجم حارسان من حراس القطار، مجموعة من طلبة المدارس بالضرب والدفع، ثم اعتدوا على أحد الطلبة بالضرب المبرح بعد تثبيته على الأرض، وهددوا برش غاز الفلفل باتجاه الركاب لمنعهم الاقتراب من الطالب. وأفاد شهود عيان أن شرطة الاحتلال حضرت الى المكان واعتقلت الفتى.
هذه الاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال والفتية الفلسطينيين، من قبل "حراس القطار الخفيف" ليس الوحيدة، بل هي أمثلة لما يتعرض له الأطفال الفلسطينيين يوميا أثناء ممارسة حياتهم اليومية.
وهي تعبر عن الانتهاكات الجسيمة والعنصرية التي يتعرض لها الأطفال الفلسطينيين، من قبل قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين، وحراس الأمن الإسرائيليين، وهي استمرار للاعتداءات والجرائم الذين يرتكبونها بحق الأطفال، وكان من أبشعها جريمة خطف وحرق الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير، من حي شعفاط بالقدس الذي خطف وعذب وأحرق وهو على قيد الحياة على أيدي مستوطنين متطرفين يوم 2 تموز/يوليو 2014 ، وقد عثر على جثته في أحراش دير ياسين.
يضطر الأطفال الفلسطينيون استخدام القطار الخفيف للتنقل، كما يفعل بعض الفلسطينيين استخدامه، كوسيلة مواصلات، رغم أن القطار أنشئ لخدمة المستوطنين الذين يستوطنون داخل مدينة القدس المحتلة، حيث بدأ إنشائه عام 2002 وتم الانتهاء منه خلال عام 2010 ، وبدأت الخدمة في 19 آب/أغسطس 2011 وكانت مجانية، وابتداءً من 1 كانون الأول/ديسمبر 2011 أصبحت الخدمة بمقابل أجرة، و يبلغ طول السكة الحديدية 13.8 كلم وتحوي على 23 محطة يتواجد بعضها داخل الأحياء العربية في القدس المحتلة.
واجه القطار ومنذ إنشائه معارضة ومقاطعة من قبل الفلسطينيين المقدسيين، باعتباره أحد المرافق الاستيطانية داخل القدس المحتلة، لأن إقامته تتعارض مع القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي الإنساني، كما هي كل المستوطنات والمشاريع المرتبطة بها، التي أقيمت في القدس وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وان اضطرار الأطفال وبعض الفلسطينيين استخدام القطار الخفيف للتنقل كوسيلة مواصلات، لا يكسب هذا المشروع أي شرعية، وأن الاعتداء على الأطفال الفلسطينيين والتنكيل بهم داخل القطار، من قبل حراس الأمن، يعتبر انتهاك خطير لحقوق الأطفال، التي تكفلها لهم كافة المواثيق والقوانين الدولية، ويجب وقفها فورا.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.