كتب محمد شحادة، الفلسطيني من غزة مقالا في مجلة نيوزويك الأمريكية خلاصته: "أن الوضع الحالي في الأراضي المحتلة هو أخطر مما كان عليه في أي وقت مضى. هناك الكثير من التكهنات حول إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. ومع ذلك، فإن هذه التكهنات تغفل حقيقة ما يحدث. هذه ليست بدايات انتفاضة أخرى التي نشهدها، بل هي نكبة ثانية -حرب عرقية كاملة من النهر إلى البحر.
استخلاص ذكي لكاتب يعيش في الشمال الأوروبي على ما يبدو، يفتح نوافذ للتفكير العميق في الحالة التي وصلتها القضية الفلسطينية على المفترق الأكثر خطورة منذ عقود. المشهد برمته وصل إلى نقطة حرجة يمكن فعليا أن تفضي إلى نكبة كبرى جديدة ، خاصة وأن العالم لديه انشغالاته الخطرة ، وتحولاته اليمينة والقومية المتطرفة ، وكذا وصول المشروع الصهيوني برمته إلى الذروة والمأزق الحقيقي ، فلا هو تمكن من إبادة جماعية لسبعة ملايين فلسطيني على الأرض ولا هو قادر على ترحيلهم ولا ضمهم أو أسرلتهم وغير قادر على الانتقال صراحة لدولة عنصرية دينية مغلقة، في هذه اللحظة يتقدم الاكثر جنونا وتطرفا ليحتل الفضاء السياسي والثقافي ويطرح حلا جذريا وشعبويا، عنوانه محو الوجود الفلسطيني واقتلاعه من جذوره. خيار بات سياسة رسمية في إسرائيل، يترك الفلسطيني بلا أفق ولا امل في الحياة بحرية وكرامة وبلا خيار سوى المقاومة بكل الوسائل وبكلفة باهظة، لكن الأخطر هو غياب النخبة السياسية، فصائل وأحزاب تقادمت، ترزح تحت عطالتها السياسية والفكرية وضيق أفقها وخلافاتها وصراعاتها على أوهام كيانات فارغة من مضمونها.
كلانا، الإسرائيلي والفلسطيني، وصل إلى اللحظة الحرجة، فلا الإسرائيلي المسمى "ليبرالي أو يساري" قادر على الانتقال بالتفكير أن جذر التهديد الديني والفاشي الصاعد، ليس صراعا على كراسي الحكومة والبرلمان وحرياته الشخصية كمواطن يهودي، بل هو الاحتلال لشعب آخر، أصلي في البلاد وله سرديته التاريخية والثقافية الماثلة على الأرض، وأنه آخر نموذج للاستعمار الغربي وامتداد للمركزية الأوروبية التي احتلت العالم لقرون طويلة، ولفظت أنفاسها منذ زمن. سيقول قائل إن بعضهم في ضوء الصراع الداخلي الجاري، بدا يدرك هذه الحقيقة، ولكن ببطء شديد.
بالمقابل، بدأ الفلسطيني يدرك ان كل رهاناته الخارجية على المجتمع الدولي والدعم العربي والإسلامي، هي أوهام تداولها منذ سبعين عاما، ولا مغيث، ولا جيوش تزحف لتحريره. يتقدم الفلسطيني ببطء شديد أيضا، وبكلفة عالية، نحو إدراك أن جوهر صراعه وهو يملك احتياطا استراتيجيا بالملايين السبعة على أرضه التاريخية هو مع استعمار احلالي مدجج بكل وسائل القوة بملايينه السبعة أيضا على ذات الأرض، وأن الحلول تبدأ من إدراك هذه الحقيقة، وأن عليه صياغة تكتيكاته العملية في ضوء تلك المعادلة.