عزوف فلسطينيو الداخل عن المشاركة في الاحتجاجات ضد حكومة الاحتلال الإسرائيلي هو موضوع يثير الكثير من الجدل في مجتمع دولة الاحتلال، فتلقاه يُناقش في وسائل الاعلام الناطقة بالعربية والعبرية بشكل ملحوظ. فعلى الرغم من أن فلسطينيو الداخل يشكلون حوالي 20% من السكان، ويعانون من التمييز والإقصاء المُمأسس في جميع مجالات الحياة، الامر الذي من المفروض أن يشجعهم على المشاركة في الاحتجاجات ضد الحكومة التي يرونها غير عادلة، إلا أن الواقع يشير الى غير ذلك بحيث يعزف اهلنا في الداخل عن المشاركة في الاحتجاجات ضد التغيير القضائي الذي يعمل الائتلاف الحكومي في دولة الاحتلال على تشريعه.
والتغييرات القضائية التي تطرحها حكومة الاحتلال يمكن ان يُعتبر خارج مصلحة النظام المُسمى "عدلي" في دولة احتلال تدعي الديموقراطية، لان الإجراءات المقترحة تزيد من سيطرت الحكومة اليمينية الاكثر تطرفاً وفاشية في تاريخ دولة الاحتلال على الجهاز القضائي.
على سبيل المثال، يتأثر استقلالية القضاء المزعوم بمنح الحكومة سلطة تعيين القضاة وترقيتهم، وهو ما يثير قلق المعارضة بشأن احتمالية تعيين قضاة موالين للحكومة أو تعيينات سياسية خلال فترة وجيزة تُحدد هوية الجهاز القضائي نحو اليمين المُتطرف لعقود قادمة كفيلة ببسط سيطرة الأيديولوجية اليمينية المتطرفة على جميع مناحي الحياة. وهذا نموذج من برنامج الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة والذي نجح الرئيس السابق دونالد ترامب بتنفيذه الى حدٍ ما.
ومن جهة أخرى، تعتبر المعارضة للتغييرات القضائية في دولة أن تحسين حقوق المتهمين في القضايا المدنية الجنائية قد يؤدي إلى تقليل الحماية المقدمة للضحايا، خاصة فيما يتعلق بالجرائم الجنسية والعنف الأسري.
كما يتخوف المعارضون من أن تحسين إجراءات التحقيق يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يتعرضون للاحتجاز والتحقيق القسري دون وجود دليل كافٍ على ارتكابهم لجرائم، الامر الذي سيُطبّق بامتياز على المُعتقلين الفلسطينيين.
أما عن الدوافع السياسية التي تجعل كل من المؤيدون، ونتنياهو وحزب الليكود، والمُعارضون المتمثلون بخصوم نتنياهو السياسيين، التمسّك بقوة في مواقفهم وعدم ايجاد صيّغ توافقية، هو أن التغييرات القضائية التي تطرحها الحكومة الإسرائيلية ستؤثر بشكل كبير على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل شخصي، وبحزبه، الليكود، الذي يربط مستقبله بمستقبل نتنياهو الذي يُمارس سياسة حزبية داخلية ذات وحي حزبي عربي من خلال اقصاء منافسيه الحزبيين وربط الحزب بشخصه. وذلك لان نتنياهو، الذي شغل منصب رئيس الوزراء لفترة طويلة، قد تعرض للعديد من الاتهامات الجنائية خلال فترة حكمه. وتشمل هذه الاتهامات تهم الفساد والرشوة والاحتيال والانتهاكات الأخلاقية، وقد تم تقديم بعضها في المحاكم. وبالتالي، فإن التغييرات القضائية التي تهدف إلى تمكين الائتلاف الحكومي الحالي الموالي لنتنياهو هي الأمل الوحيد له لتفادي المحاكمة أو الحصول على حكم بالبراءة من التهم العديدة الموجهة له ولزوجته، ملكة دولة الاحتلال، سارة.
وبالرغم من أن المُتضرر الاكبر من هذه التغييرات المطروحة، بحكم الطبيعة العنصرية لدولة الاحتلال، هم فلسطينيو الداخل والقدس وسوريو الجولان سواءاً من النواحي الحياتية اليومية او السياسية العامة كما تم شرحه اعلاه، الا ان عدد المشاركين منهم في هذه الاحتجاجات قليل جداً جداً بحيث يكاد لا يُذكر.
ومن عوامل عدم مشاركة فلسطينيو الداخل بشكل اساسي في الاحتجاجات الشعبية ضد التغييرات في الجهاز القضائي هو الاحباط الذي يشعر العديد منهم نتيجة عدم تحقيق المطالب التي رفعوها في احتجاجات سابقة، والتي تتعلق بتحسين ظروف العيش والحصول على حقوق أساسية. وهذا يشجعهم على عدم المشاركة في الاحتجاجات الجديدة، إذ يري غالبيتهم أنها لن تؤدي إلى أي تغيير حقيقي يساهم في اقترابهم من تحصيل حقوق متساوية في الدولة العنصرية.
كما ان عدم الثقة في النظام السياسي والاحتقان منه بشكل عام، بحيث يعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية ويحرمهم من حقوق والخدمات اساسية تتاح لليهود فقط، يساهم في تخلي الغالبية العظمى من اهلنا في الداخل عن المشاركة في الاحتجاجات ضد التغييرات القضائية خاصة وان النظام السياسي برمته وجد لخدمة المصالح اليهودية فقط.
ويلعب التحريض الإعلامي دوراً في هذا العزوف حيث يعاني فلسطينيو الداخل من التحريض الإعلامي الموجه ضدهم في وسائل الإعلام الإسرائيلية. ويتعرضون للانتقاد والهجوم عندما يشاركون في الاحتجاجات، ويصفون بالمتمردين والإرهابيين، مما يجعلهم يترددون في التعبير عن آرائهم والمشاركة في هكذا الاحتجاجات.
وبما أن دولة الاحتلال هي دولة عنصرية بامتياز، فلا يمكن عدم احتساب اسلوب تعامل الاجهزة الامنية الإسرائيلية مع المحتجين الفلسطينيين في الداخل بغض النظر عن اسباب الاحتجاج، وتمييز هذا الاسلوب بالبطش والقمع، فجميعنا يتذكر جيدًا العنف الذي واجهوه هلنا في الداخل خلال احتجاجات السابقة، ومنها احتجاجات "الأقصى" في تشرين اول عام 2000، التي شهدت مواجهات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية واهلنا، وأدت إلى مقتل 13 شخصًا، وإصابة المئات.
إن عدم مشاركة فلسطينيو الداخل في الاحتجاجات ضد حكومة الاحتلال ليس بالأمر الجديد، إذ يمكن تتبعها لسنوات عديدة. وهذا يعكس حجم المشاكل الهيكلية والعميقة التي تواجه المجتمع في دولة الاحتلال بما في ذلك المجتمع الفلسطيني الصامد في الداخل. ولا يمكن حل هذه المشاكل بسهولة أو في وقت قصير، إذ تحتاج إلى جهود مستمرة وشاملة لتحقيق التغيير المطلوب.
وفي نفس الوقت فإن عدم مشاركة فلسطينيو الداخل في الاحتجاجات لا يعني عدم وجود حركة احتجاجية فلسطينية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ يوجد العديد من النشطاء الفلسطينيون الذين يعملون بجدية على تحقيق التغيير في المجتمع، وينظمون مظاهرات وفعاليات تحت شعارات مثل "حقوق المواطنة" و"المساواة" و"العدالة الاجتماعية".