الدردشة بين وزير الاتصالات الإسرائيلي فؤاد بن اليعازر ورئيس البلدية عرسان ياسين كانت على المنصّة في مدينة شفا عمرو، ولكنها كانت أشبه بحوارٍ بين اثنين يجلسان على ضفّتي نهر.
بين الجَدّ والدّعابة، ناشد السيّد ياسين، الوزير بن - اليعازر، تشجيع عائلات يهودية على الإقامة في مدينة شفا عمرو، لتغدو مدينةً يسكنها فلسطينيون (مُسلمون، مَسيحيون ودُروز) إلى جانب يهود إسرائيليين. بين الدّعابة والجَدّ، رفض بن اليعازر هذا العرض.. على الفور.
لماذا رفض الوزير عرض رئيس البلدية الجديد؟ إذا لم نذهب إلى الأسباب العميقة، فإنّ السبب الآني هو، على الأرجح، خشية عضو في حكومة إسرائيل أن تطالِب شفا عمرو بالثمن، وهو اعتبارها “مدينة تطوير”، بما يترتّب على ذلك من نفقات جديدة وكبيرة.
بالكاد، اتفقت السلطات المحلية العربية وحكومة إسرائيل، قبل شهورٍ قليلة، على برنامج حدّ أدنى لإنعاش التجمُّعات السكّانية الفلسطينية في إسرائيل، كُلفَته الإجمالية 600 مليون شيكل، يُدفع نصفها على الفور، ورُبعها الباقي بشكل هِبَة، و100 مليون شيكل مساعدة حكومية.. والباقي، بتطوير الجباية الضريبية البلدية.
تنفيذ هذا الاتفاق جزء من المطالب في “يوم الأرض” لردم الهُوّة الكبيرة بين ميزانيات البلدات اليهودية والعربية. وكبادرة احتجاج، شديدة الوقع ومهينة، قاطع معظم رؤساء البلديات الفلسطينية لقاءً احتفالياً لمناسبة “عيد الأضحى” حضره رئيس الوزراء ايهود باراك ومستشاره للوسط العربي اللواء/ متقاعد ماتان فلنائي.
الخلاف بين الحكومة والسلطات المحلية العربية حول الميزانيات سيتم تناوله، اليوم، في الاحتفال المركزي بـ “يوم الأرض” في “مدينة شُهداء الأرض” كما يُطلقون على سخنين، التي قدّمت ثلاثة شهداء من أصل ستّة في «يوم الأرض» الأول 1976، وسيجري الاحتفال، بالتأكيد، في تلك الساحة التي يتوسّطها أهمّ نُصب تذكاري فلسطيني أنجزه الفنّانان: الإسرائيلي التقدّمي غرشون غنيسبل؛ والفلسطيني عبد عابدي.
منذ تكريسه يوماً قومياً، جرت العادة على إقامة ثلاثة مهرجانات مركزية في “يوم الأرض” منها اثنان في الجليل والمثلث والثالث في النقب. لكن، مهرجان سخنين يظلّ مركزياً، بينما يتبدّل مكان الاحتفالين المركزيّين الآخرين.
هذا العام، سيجري احتفال مركزي في باقة الغربية، لأن منطقة المثلث تستقطب نضالين جماهيريّين راهنين: الأوّل؛ مطلب تحريك شارع “عابر إسرائيل” ليكون شقّه على حساب «أراضي الدولة»، وليس على حساب 5000 دونم من أراضٍ ذات ملكية أهلية فلسطينية، منها 106 دونمات تعود لسكّان كفر قاسم؛ والثاني: الإصرار على نقل المعسكر من أراضي “الرُّوحَة” قرب أم الفحم.
وقبل عامين، تسبب هذا النزاع الإضافي في أعنف مُصادمات وأوسعها نطاقاً بين الأهالي وسلطات الأمن منذ «يوم الأرض» الأوّل 1976.
في أقصى الشمال، ينتقل الصراع في قريتي “إقرث” و”كفر برعم” إلى مرحلةٍ جديدة، هي استرداد بعض الأراضي، وليس وقف المصادرات.
للمرّة الأولى لدى الحكومة مشروع عودة جزئي جدّاً حسب توصيات “لجنة ليبائي” التي رفضها المعنيُّون على الفور.. في أيدي سكّان القريتين المُهجَّرِين بالخديعة منذ خمسين عاماً، سلسلة قرارات قضائية من «العدل العليا»، وحتى مواقف وزارية سابقة ولاحقة.. ويجب على الحكومة أن تخرج بحلّ قبل أيار المقبل، حسب آخر قرارٍ قضائي.
إذا تمّ النجاح، ستكون هذه سابقة “عودة” تُبرّر تطوير شعار “الدفاع” عن الأراضي إلى “استرداد” قرى أراضٍ صودرت دون أيّ مُسوّغات أمنية أو خلافها.
“سهل البَطُّوف” أو حوض البَطُّوف، جنوب سخنين خصب وجميل ووافر المياه، وهو الوحيد، على هذه السعة الذي لا يزال ملكيةً زراعية فلسطينية.. ومن المشكوك فيه أنّه كان سينجو من المصادرات لولا نضال جماهيري تأطّر في “يوم الأرض”.. ولا يزال يتفاعل.
بين «يوم الأرض» الأوّل و»يوم الأرض» هذا العام (2000)، لم يعد العلم الوطني الفلسطيني محظوراً، ولكن المسألة أعمق من رفع علم، وأعمق من جُذور أيّ شجرة.. وهذا يُفسّر لماذا صار «يوم الأرض» اليوم القومي الأوّل للشعب الفلسطيني في فلسطين والمنفى. الأرض جذر الصراع.. ومحوره، أيضاً.
ستّة شهداء صنعوا في 30 آذار 1976 تحوُّلاً، ويجب أن تبقى أسماؤهم مَحفُورة إلى الأبد: محسن طه (كفر كنا)، خير ياسين عرّابة (البَطُّوف)، رأفت الزهيري (مخيم نور شمس – طولكرم، واستشهد في الطيبة «المثلث»).. شهداء سخنين الثلاثة: خضر خلايلة، خديجة شواهنة، رجا أبو ريّا.