تناقلت وسائل الاعلام نبأ قيام أربعة مستوطنين قبل أيام بإلقاء أربع قنابل حارقة الى داخل منزل المواطن أحمد ماهر عواشره من بلدة سنجل جنوب نابلس الذي كان نائما ً في بيته مع أفراد أسرته المكونة من ستة أفراد مما أدى الى اشتعال النيران بالبيت إلا أن المواطنين نجحوا في إنقاذه واسرته من الموت حرقا ً داخل المنزل.
وهذه الحادثة تعيد الى الأذهان مأساة عائلة المرحوم سعد دوابشه من قرية دوما قضاء نابلس الذي قامت مجموعة من المستوطنين بتاريخ 31-7-2015 بإلقاء زجاجات حارقة داخل منزله أدت الى اشتعال النيران بالبيت واستشهاده هو وزوجته وطفلهما البالغ ثمانية عشر شهرا واحتراق الطفل الثاني أحمد (4سنوات) الذي نجا من الموت، ولكنه أصيب بحروق بليغة تطلب علاجها في المستشفيات عدة سنوات مع اجراء العديد من العمليات الجراحية لزرع الجلد وللتخفيف من حدة التشويه الذي أصابه ولإعادة تأهيله للحياة وما زال يعاني من ذلك حتى اليوم.
كما تعيد الى الأذهان اختطاف الطفل محمد أبو خضير فجر 2/7/2014 من قبل عدد من المستوطنين واقتياده الى غابة في القدس الغربية واحراقه حيا ً.
وبعد ذلك بحوالي عام في 18/6/2015 تم اشعال النيران في الكنيسة التاريخية الخبز والسمك في طبريا وتدميرها بالكامل وهي كنيسة مهمة جدا ً للمسيحيين وخاصة الألمان.
ناهيك عن جريمة احراق المسجد الأقصى في 29-8-1969 وتدمير منبر صلاح الدين.
حرق القرى العربية ليس غريبا على المتطرفين العنصريين من اليهود الذين لا يكتفون بهتاف "الموت للعرب" الذي يتردد في كل مناسبة عنف ضد العرب، وانما يؤلفون الأغاني والاناشيد عن حرق القرى العربية التي أحيانا ً يذكرون بعضها بالاسم، ويرددونها في المناسبات حتى في ملاعب كرة القدم حين يكون أحد الأندية ناديا عربيا يلعب ضد تلد يهودي.
هذا الأسلوب الاجرامي الذي يتبعه المستوطنون في حرق عائلات المواطنين الفلسطينيين وهم نيام في منازلهم كان يمكن أن يحدث وعلى أوسع نطاق حين قام المئات من المستوطنين بمهاجمة بلدة حوارة في السادس والعشرين من شهر شباط الماضي واحراق أكثر من 52 منزلا ً وسكانها داخلها، ولكنهم ولحسن الحظ استطاعوا النجاة من النيران. وقد قام المستوطنون أيضا ً بإشعال النيران قي 130 سيارة وفي عدد مكن الشاحنات والآليات والممتلكات الأخرى. وقد أسفر ذلك الهجوم الاجرامي البشع عن استشهاد المواطن سامح الأقطش الذي كان ضمن فريق الإنقاذ الفلسطيني الذي شارك في انقاذ ضحايا الزلزال في تركيا وعاد الى حوارة قبل ذلك بيوم واحد. وأدى الهجوم كذلك الى اصابة 152 مواطنا إضافة لترويع وإرهاب الأطفال والنساء والشيوخ الذين رأوا الموت ماثلا ً أمام أعينهم.
هؤلاء المستوطنون المتطرفون يحظون بدعم وتشجيع من وزراء في حكومة نتنياهو الحالية ومن أعضاء كنيست أمثال وزير المالية سموترتش الذي قال قبل مهاجمة المستوطنين لحوارة بأنه يريد أن يرى حوارة تحترق وعضو الكنيست فوجل الذي حاول التهرب من إعطاء رأيه في احراق حواره ولكنه عاد وقال بأن النتيجة، أي ننتبجه احراق حوارة كانت "جميلة" !
الليلة الدموية التي مرت على بلدة حوارة والتي ما زال من الممكن أن تمر على أية قرية عربية أخرى، تعيد الى الأذهان حدثا تاريخيا وقع ضد اليهود في ألمانيا ويعرف باسم ليلة الكريستال التي وقعت أحداثها في الليلة الواقعة بين 9 و10/11/1938 حين قام الآلاف من الألمان في العديد من المدن الألمانية والنمسا التي كانت آنذاك جزءا من ألمانيا، بمهاجمة اليهود وإحراق محلاتهم التجارية والبيوت والممتلكات والكنس اليهودية ووقع حسب الإحصاءات الرسمية الأولية 91 قتيلا بينما ادعت المصادر اليهودية لاحقا ً أن عدد الضحايا أكبر من ذلك بكثير. وقد سميت بليلة الكريستال لأن زجاج واجهات البيوت والمحلات التجارية اليهودية التي تم تحطيمها غطى أرضية الشوارع.
وكانت هذه الهجمات الانتقامية قد وقعت على خلفية قيام شاب يهودي من أصل بولندي، تم ترحيل عائلته من ألمانيا الى بولندا، بإطلاق النار على دبلوماسي ألماني في باريس في 7/11/1938 وتوفي الدبلوماسي بعد ذلك بيومين.
وتقول العديد من المصادر وأغلبها مصادر يهودية أو متعاطفة مع اليهود أن الهجوم الذي وقع تلك الليلة لم يكن وليد حادثة الاغتيال وإنما كانت النية مبيتة للهجوم على اليهود لأن الألمان كانوا قد طلبوا من الألمان اليهود من أصل بولندي أو أجنبي أن يهاجروا من ألمانيا الى بولندا وأنهم أي الألمان لم يكونوا راضين من الهجرة البطيئة لليهود بل أرادوا تسريعها والضغط على اليهود لإرهابهم وحملهم على الفرار، وأن حادثة الاغتيال أعطت الفرصة لتنفيذ الهجوم وأن الشرطة تواطأت ولم تحاول منع الهجوم بل تركته يستمر لعدة أيام.
وهناك نظرية تقول بأن الضحية يصبح مُعجبا ً بشخصية الجلاد وأنه يُحاول تقمص هذه الشخصية في أول فرصة تتاح له. وفي رأيي أن ما حدث في حوارة يوم 26/2/2023 حيث قام المئات من المستوطنين بمهاجمة المواطنين الفلسطينيين واحراق البيوت والمحلات التجارية والسيارات التابعة لهم ومحاولة قتلهم لم يكن سوى عملا ً نازيا ً ومحاكاة وتقليدا ً لما حدث في ليلة الكريستال أو "ليلة البدولاخ" كما يسمونها بالعبرية، وأنه كان هناك استغلال من قبل المستوطنين لحادثة الهجوم التي قتل فيها اثنان من المستوطنين أثناء مرورهم من حوارة، لكي يقوموا بمهاجمة الفلسطينين سكان القرية، وأن الهدف كان ترويعهم وارهابهم للضغط عليهم وحملهم على الرحيل عن القرية.
والغريب أنه تماما كما حدث في ليلة الكريستال من عدم تدخل الشرطة الألمانية لحماية اليهود من هجمات النازيين الألمان فقد حدث ذلك أيضا من قبل القوات الجيش والأمن الإسرائيلية التي لم تتدخل هي الأخرى لحماية أهالي حوارة من هجمات المستوطنين.
ولا أبالغ اذا قلت بأن ما حدث ليلة محاولة حرق حوارة لم يكن سوى تجربة "بروفا" قد تتكرر ضد قرى فلسطينية أخرى في سياق سياسة ارهاب المواطنين الفلسطينيين بغية طردهم من بيوتهم وأراضيهم، والتي كانت ولا تزال في صلب النهج الصهيوني الاستيطاني منذ النكبة عام 1948 حتى اليوم.
وسياسة الإرهاب والترويع وارتكاب المجازر للضعط على الفلسطينيين وارغامهم على الرحيل ليست بالجديدة فقد طبقوها في دير ياسين والطنطورة والخطيب وغيرها، وهي سياسة ما زالت مستمرة منذ النكبة حتى اليوم، ونراها في النقب ومسافر يطا والأغوار والشيخ جراح وسلوان وغيرها، وهي سياسة وممارسات تؤكد بأن النكبة لم تكن حدثا في زمن واحد وأصبحت جزءا من الماضي، وإنما هي نكبة مستمرة لم تتوقف منذ عام ، 1948 وهي في جوهرها هجمة ضد أبناء شعبنا لاقتلاعهم من أراضيهم وبيوتهم وتهجيرهم واحلال المستوطنين اليهود مكانهم. وبهذا الفهم لطبيعة الصراع يجب أن نضع استراتيجيتنا المستقبلية وهي الصمود فوق الأرض والتشبث بها وإفشال سياسة الارهاب والتهجير .