ليست مظاهرات الاحتجاج التي تجتاح المستعمرة، واتساع حجم ونوعية المشاركين، ليست لها دوافع سياسية وحسب، أو حصيلة خلاف بين أحزاب الائتلاف وبين أحزاب المعارضة، هي كذلك ولكنها أشمل وأعمق، هي سياسية اجتماعية اقتصادية أيديولوجية أمنية، تعبر عن الحالة المرضية التراكمية المتفاقمة، لدى المستعمرة .
هي صراع بين الإسرائيليين، لا علاقة للفلسطينيين أو العرب أو المسلمين أو المسيحيين بها، إنها تعبير دقيق عن حالة العزلة العبرية الإسرائيلية اليهودية، عن الشعب الفلسطيني الذي يراقب، يتمنى، يتأمل، بعضهم بصمت، وبعضهم بصوت خافت، والبعض الذي يشارك بخجل، ولكن الكل الفلسطيني يتابع الاحتجاجات الإسرائيلية غير المسبوقة ضد بعضه البعض.
الفلسطينيون سواء في مناطق 48، أو مناطق 67، في حالة دهشة، يتابعون الحدث الإسرائيلي، باستغراب، بتخلف، وعدم وعي، بل وبإحساس من الدونية، وكأن المجتمع الإسرائيلي اللقيط، خال من الأمراض، من الصراع، من التفاوت، من التعارضات، ولهذا يقع التردد الفلسطيني في مناطق 48 من خلال الانكفاء وعدم المشاركة، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، في بلد آخر، وكأن الاحتجاجات لا تعنيهم، ولهذا يراقبونها، حاملين الأمنيات والأمل، أن تُنتج حصيلة جديدة من الوقائع والاستخلاصات والنتائج، لعلها تنعكس عليهم بالمساواة وإنهاء مظاهر الظلم والتمييز الواقع عليهم.
الاحتجاجات الإسرائيلية مدنية غير عنيفة، مثيلة لما تجري في فرنسا، أو غيرها، ولكنها غير مسبوقة بهذا الحجم والنوعية والاتساع لتشمل قطاعات مهنية، لم يكن لأحد مهما وصلت قدراته في القراءة والفهم أن يصل في استنتاجاته، إلى ما وصلت إليه الاحتجاجات الإسرائيلية، بمعايير مختلفة، ولكنها تحمل نفس مضمون الاحتجاج والرفض لثلاثة رموز: 1- لنتنياهو شخصياً وسلوكه وإجراءاته بسبب دوافعه الأنانية الضيقة، 2- ضد الائتلاف القائم بين الليكود والأحزاب الدينية المتشددة، والسياسية المتطرفة، 3- ضد تجمع كتلة الصهيونية الدينية وقيادتها سموترتش وبن غفير.
عنوان الصراع الذي انفجر بين الإسرائيليين هو: 1- صراع بين المتدينين والعلمانيين، 2- بين الاشكناز الغربيين وبين السفراديم الشرقيين، 3- بين اليمين السياسي المتوسط أو المعتدل نسبياً وبين اليمين السياسي المتطرف، وهو لم ينفجر إلا حصيلة تراجع عناوين الصراع الوطني القومي بين العرب: مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق في مواجهة المستعمرة، وتراجع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأدواته وعناوينه، باستثناء حالات فردية إبداعية من التضحية والفعل، ولكن هذا الصراع مُقيد بالتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، وغير ذلك مجرد مفردات ثورجية، طق حكي، ورغبات غير مسنودة بالفعل الكفاحي، إضافة إلى عوامل التطبيع بين العواصم العربية مع المستعمرة، جعلت حالة الاعتراف والتطبيع هي العنوان السياسي الأبرز بديلاً لمفاهيم الصراع العربي الإسرائيلي، وأدواته وأفعاله.
لن تكون المستعمرة، كما كانت، قبل نتائج انتخابات الكنيست 25 يوم 1/11/2022، وقبل انفجار الاحتجاجات للأسبوع الثالث عشر على التوالي، لذا ننتظر، نراقب، لنرى حجم المتغيرات ونتائجها وإلى أين ستصل، طالما أن هنالك فشل استراتيجي وقعت فيه المستعمرة، يتمثل بالإخفاق في طرد وتشريد ونفي كل الشعب الفلسطيني من وطنه، وبقاء سبعة ملايين عربي فلسطيني على كامل خارطة بلادهم، سيكون لهم شأن آخر، مهما طال الوقت في مواصلة الاحتلال والتوسع والاستيطان والتمييز العنصري.