للأقدار ألعابها في السياسة والسياسيّين، وبطلا حكايتنا هما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
أثناء ولاية ترامب الأولى والأخيرة، شكّل مع نتانياهو ثنائياً أقرب إلى التوأم، فأنجبا معاً ما اعتبره ترامب حلّاً سحرياً لقضية الشرق الأوسط "المزمنة" وما اعتبره نتانياهو ذروة إنجازاته، أي “صفقة القرن”، والاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وضمّ الجولان السوري المحتلّ، وحصوله على ثلاثين في المئة من أراضي الضفة الغربية لضمّها إلى إسرائيل.
وكان ما تحصّل عليه نتانياهو من ترامب أحد أهمّ العوامل المشجّعة له على أن يصوّر نفسه للناخب الإسرائيلي أنّه تفوّق على الزعماء الذين سبقوه، ليس فقط في طول أمد البقاء في سدّة الحكم، بل وفي تحقيق الإنجازات التي عجز أسلافه عن تحقيقها عبر حروب عديدة.
وقبل أن يستمتع الشريكان اللدودان بإنتاجهما المشترك، سقط ترامب في الانتخابات وغادر البيت الأبيض، وسقط نتانياهو أيضاً وغادر مكتب رئيس الحكومة.
لم تكن مغادرة الاثنين لمواقعهما هو المشترَك الوحيد بينهما، فالمشترَك الآخر هو تحوّلهما إلى مطلوبين للقضاء، إذ يحمل نتانياهو على أكتافه عدّة قضايا فساد تقصم الظهر. وكذلك الأمر، وإن بصورة مختلفة، حمل ترامب جملة اتّهامات كلّ واحدة منها كفيلة بإدخاله السجن، أو على الأقلّ مثوله أمام المحكمة.
وهذا المشترَك عالجه الاثنان بوسائل متشابهة فهاجم ترامب الكونغرس عبر أنصاره تماماً مثلما هاجم قادة الانقلابات الفاشيين برلمانات بلادهم في أكثر من مكان، ودعا ناخبيه إلى النزول إلى الشارع لإعادته إلى البيت الأبيض عنوة.
أمّا شريكه نتانياهو فقد عالج وضعه بإحداث انقلاب على أساسات دولة إسرائيل، باستخدام ديكتاتورية الأغلبية البرلمانية المحدودة. وبينما كانت أداة ترامب غوغاء أنصاره الذين أطلقوا النار على أهمّ رمز من رموز أميركا، كانت أداة نتانياهو غوغاء تمّت ترقيتهم إلى مرتبة أقطاب في حكومته، ومن أجل نجاته الشخصية أطلق شرارة أحرقت سهلاً.
إنّ شراكة الماضي التي أنتجت فشلاً سياسياً للاثنين عبر فشل صفقة القرن، وشراكة الحاضر، المتمثّلة بمثول الاثنين أمام القضاء، لا بدّ أن تؤثّرا على مستقبل كلّ منهما.
ترامب بات بطلاً لأغرب وأعجب رئاسة لأميركا عرفها التاريخ، وهو سيواجه مصيراً مأساوياً، "وهذا ما يُفترض أن يكون"، أكثر سواداً من مصير ريتشارد نيكسون بطل فضيحة ووترغيت.
أمّا نتانياهو، وإن كان مصيره معلّقاً على خلاصات الثورة الشعبية عليه، فإنّ طائرة حظّه بدأت هبوطها التدريجي، فإمّا أن تحطّ به في باحة السجن، وإمّا أن يعود بمعجزة إلى رئاسة الوزراء، بعدما تكون إسرائيل ذاتها قد تغيّرت لتصبح كياناً على مقاس رجل واحد، وهذا أفدح أنواع الفشل.