على السّاخن: كشفت كارثة زلزال شواطئ بحر مرمرة التركي عن أنّ البنية التحريريّة للصحف أمتن من البنية التحتيّة للإدارة التركية. عنوان صحيفة “الزّمان” التركية يُعبّر عن الفارق: “كارثة في الليل.. وفضيحة في النهار”.
على البارد: نصيب المناطق المأهولة، من هذه المعمورة زلزال ورُبع زلزال سنوياً من العيار المدمّر، ومُعدّل الضحايا، سنويّاً، أيضاً، حوالى 1000 نسمة. هذه إحصائية مستخلصة من إحصائية وكالة الصحافة الفرنسية (AFP) لزلازل ضَربت المناطق المأهُولة من الكرة الأرضية خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث وقع 14 زلزالاً مُدمّراً.
على الفاتر: تتململ القشرة الأرضية بقوة 6,8 درجة على مقياس ريختر، كمعدّل لقوّة الزلزلة في الفترة ذاتها.
أيضاً، كان نصيب آسيا من الزّلازل، في الفترة ذاتها، أكثر من نصيب الأسد، حيث وقع فيها (من اليابان شرقاً إلى تركيا غرباً) 11 زلزالاً، وكان نصيب كولومبيا، في القارة الأميركية، زلزالين.. ومصر زلزالاً واحداً .. وأخيراً، زلازل البحار لا تُعتبر كارثيّة بشكلٍ خاص.. إلّا إذا كانت قريبة نسبيّاً من مناطق برّية مأهولة، ورافقتها موجات المدّ العالية المسماة “تسونامي” باليابانية.
في العادة، لا تسبّب الهزّات الأرضية ذات القوّة الأقلّ من 5 درجات ريختريّة أضراراً محسوسة في البنية السطحيّة للعمران المدني. لكنّ ثمة عاملاً آخر يُقلّل أو يُفاقم من الدمار، وهو عمق مركز الزّلازل في القشرة الأرضيّة، فكلّما كان عميقاً خفّت الأضرار.
بؤرة زلزال شواطئ مَرمَرة كانت على عُمق “سطحي” قدّره علماء الزّلازل بـ 32كم، لكنّه كان شديد الدمار لسبب آخر، لأنه ضرب منطقةً مأهولة أوّلاً، ولأنّ “الفضيحة النهارية” التي تحدّثت عنها “الزّمان”، تتمثّل في طَمَع شركات ومُقاولي البناء، الذين لا يُراعون شروطاً فنية ضروريّة تجعل الأبنية “تميد” قليلاً.. ولكن تصمد لضربةٍ زلزالية من عيار 7,5 ريختر، علماً أن «بلاد الأناضول»، ومعها «بلاد فارس» (شمالها خاصة) من أكثر المناطق تعرُّضاً لتحرُّكات القشرة الأرضيّة، والبلدان جزء من “حزام النار” الذي يَلفُّ الكرة الأرضيّة.
من الناحية الجُيولوجيّة، تُعتبر هضبة الأناضول وإيران في حالة “نُهوض” للقشرة الأرضية، بسبب انزياح شبه الجزيرة العربيّة نحو الشمال الشرقي؛ وانزياح القارة الإفريقيّة نحو الشمال الغربي.
ويتوقّع علماء الجُيولوجيا أن يغدو البحر الأحمر أكبر من البحر المتوسط بعد مئات من ملايين السنوات، وربّما مشروع “محيط” جديد.
هذه النُّبُوءة تطرح سؤالاً مُقلقاً، وهو: الانهدام السوري - الإفريقي الكبير هادئ بشكلٍ غير طبيعي، أي أن قشرة الأرض لا تقوم بتفريغ تأزّمها.. وهذه إشارة سيّئة، جعلت بعض الجُيولوجيّين يخشى من زلزال “تاريخي” وكارثي حقاً. وبعضهم يتصوّر أنّ فلسطين سوف تنفصل عن لبنان في منطقة مرج ابن عامر، بينما يمتدّ خليج العقبة إلى مشارف بُحيرة طبريا.. وبخاصة أنّ تبخّر الماء من على سطح البحر الميت بمعدّلٍ سريع، قد يُؤدّي إلى اختلال التوازن في القشرة الأرضية بمنطقة الأغوار، وبالطبع ليس بين عشيّة وضُحاها.. بل على مدى مئات أو آلاف السنوات.
في كلّ حال، تُعتبر الزّلازل “ظاهرة صحيّة” بالمعنى الجُيولوجي، لأنها تقوم بإجهاض زلازل أشدّ تدميراً، ستكون على درجات أعلى بمقياس ريختر ذي الدرجات العشر (نظرياً)، بينما لا يُسجّل تاريخ الهزّات الأرضية الكبيرة منذ وضع ذلك السُّلَّم، هزّة من ثماني درجات.. وبالطبع تُعتبر هزّةً بقوّة 10 درجات بمثابة “يوم القيامة”.
ويتطوّر علم الفلك أسرع كثيراً من تطوّر علم الزلازل على صعيد التنبّؤات الدقيقة، أمّا على صعيد القوانين العامّة للزلازل فهي معروفة منذبعض الوقت، غير أنّ “فترة الإنذار” الكافية هي العقبة الكأداء، وربّما كانت هذه “العقبة” بمثابة نوع من الرّحمة بالعباد.. الذين لو عرفوا باقتراب زلزلة، لبدؤوا نُزوحاً جماعيّاً هستيريّاً، قد تكون خسائره البشريّة والاقتصاديّة أفدح من أضرار الزلزلة ذاتها.
كانت كوارث الحروب والمجاعات والأوبئة تقتل من الناس النصيب الأوفر، ثم صارت كوارث الفيضانات والزّلازل تتصدر القائمة، مع أن هذه السيكارة تقتل من البشر سنوياً، بشكل أو بآخر، أكثر مما تفعل الزّلازل، وكذلك أمراض السرطان على اختلافها .. غير أنّ “الكارثة” بالتقسيط غير الكارثة التي تأتي بضربةٍ خاطفة لا تزيد على ثوانٍ تبقى أقلّ من دقيقة على الأغلب.
وفي الأخير، فإنّ هذا “الكوكب المائي” الفريد، الذي هو الكرة الأرضية، يظلّ أكثر استقراراً من بقيّة كواكب المجموعة الشمسية.. على السّاخن، والبارد.. والفاتر، أيضاً.
عن جريدة الأيام